الإخوان المسلمون في سورية

إدلب بين قلعتين

د. أحمد موفق زيدان

 

تعيش مدينة إدلب عاصمة المحرر الشمالي هذه الأيام حياة عاصمة بحق للمحرر كله، لا سيما وأنها مركز المحافظة الوحيد الذي تبقى بأيدي الثورة، ويمتد المحرر الشمالي من قلعة المضيق بريف حماة بأقصى الجنوب إلى قلعة سمعان بأقصى الشمال في ريف حلب، وتبلغ مساحة المحرر الشمالي إن استثنيا مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات ما يساوي عشرة آلاف كيلومتر مربع، وهي المساحة التي تعادل مساحة لبنان وتزيد عن البحرين وتقل قليلاً عن الكويت وقطر، لكن اللافت في المناطق الشاسعة في هذا المحرر، هو وجود الأراضي الزراعية الخصبة المنتشرة فيها خصوصاً التربة الحمراء الخصبة، وتنتشر فيها ملايين من أشجار الزيتون فضلاً عن أشجار الحمضيات والمزروعات والحبوب، التي توفر فائضاً ضخماً قادراً على التصدير للخارج، ولكن صعوبات عدة قد تحول دون تصدير هذه المنتجات ذات الجودة العالية، وإلى جانب ذلك هناك مئات الآلاف من رؤوس الأغنام والأبقار التي إما موجودة بالأصل في إدلب، أو أتت من المناطق المحتلة هرباً مع أصحابها.

 

‏إدلب التي عاشت عقوداً من التهميش والإبعاد والإقصاء في عصر سلالة آل أسد من الأب حافظ الأسد إلى بشار الأسد، لانتمائها إلى الحزب الناصري قديماً ثم الإخوان المسلمين في الثمانينيات، لعبت دوراً محورياً في انتفاضة الثمانينيات ضد العصابة الطائفية آنئذٍ، تسعى اليوم جاهدة لتكون درع الثورة كما يحلو لأهلها والمهاجرين إليها تسميتها، فهي احتضنت اليوم كل المشردين والمهاجرين من المدن والبلدات السورية الأخرى، وبحسب تقديرات حكومة الإنقاذ التي تدير عملها من المدينة، فإن سكان المحرر الشمالي من سكان أصليين ومهاجرين يتعدى الأربعة ملايين والسبعمائة ألف نسمة، وتدير حكومة الإنقاذ الخدمات في المحرر الشمالي من توفير الأمن إلى ساعات من تزويد المحرر الشمالي بالكهرباء والمياه، وكذلك الخدمات الأخرى فضلاً عن الخدمات الطبية والتعليمية.

 

‏تعتبر جامعة إدلب المستمدة إرثها التاريخي من علاقتها بجامعة حلب منذ زمن مركزاً حضارياً وتعليمياً مهماً، فهي تستوعب اليوم أكثر من 13 ألف طالب وطالبة في أربعة عشر تخصصاً، ويدير هذه التخصصات دكاترة من خريجي جامعات أجنبية وعربية، وهم بالأصل من عمداء كليات في جامعات دمشق وحلب أو أساتذة في تلك الجامعات، وقد تم تشكيل مجلس تعليمي عالٍ من أجل ضبط ومراقبة العملية التعليمية للدراسات الجامعية والدراسات العليا، وهو ما مكّن الحكومة من ضبط العملية التعليمية بعيداً عن الفساد التعليمي ونحوه.

 

لكن جوهر الشمال المحرر اليوم هو معبر باب الهوى الذي تميز بكونه وجهاً حضارياً مهماً للثورة، من حيث الخدمات التي يقدمها للمغادرين والقادمين من تركيا، فضلاً عن الأبنية والطرق والمراقبة الأمنية المميزة التي تميز بها، وهو ما مكّنه من وقف أعمال التفجيرات كافة التي طالته سابقاً، فقد ساد الهدوء المعبر منذ ثلاث سنوات بفضل الجهود الأمنية التي بذلها القائمون عليه، وقد تم نشر كاميرات مراقبة في شوارع مدينة إدلب الرئيسية، الأمر الذي مكّن الحكومة من ضبط عدد من العصابات والخلايا الإجرامية التي سعت إلى زعزعة الأمن والاستقرار في عاصمة الثورة.

 

الحياة المعيشية في الشمال المحرر لا تقارن بمناطق العصابة الطائفية، إن كان من حيث توفر المواد الغذائية أو من حيث الأسعار الرخيصة المنافسة لمناطق العصابة الطائفية، وهو ما دعا الأخيرة إلى فتح معابر من أجل استيراد المواد الغذائية والمحاصيل والخضراوات الموجودة في المناطق المحررة، الأمر الذي سيحسّن الوضع الاقتصادي والمعيشي لسكان المحرر، ويقدم أنموذجاً للمحرر مقارنة بمناطق العصابة الطائفية، التي تئن اليوم تحت قبضة مافيات الكبتاغون والحشيش والغلاء والمافيات الميليشياوية المسلحة.

 

التحدي الأمني كبير أمام إدلب في ظل التغيرات العسكرية التي حصلت بهزيمة حركة نور الدين زنكي، والأنظار اليوم متجهة نحو تشكيل مجلس شورى موسع يفرز حكومة جديدة تخلف ربما حكومة الإنقاذ الحالية، تكون أكثر تمثيلاً مع إبداء الفصائل الموجودة في الشمال المحرر رغبة بالانضمام للمجلس والحكومة، ويبقى الأمل كبيراً في ضم الحكومتين المؤقتة في درع الفرات وغصن الزيتون مع الإنقاذ في حكومة واحدة، تقوم على خدمة مناطق الثورة تمهيداً للتوسع نحو سوريا كاملة حرة وموحدة.

إخوان سورية

أضف تعليقاً