الإخوان المسلمون في سورية

تحولات دراماتيكية في شرق الفرات

حسن أبو هنية

 

تكشف هجمات تنظيم «الدولة الإسلامية» الأخيرة شرق الفرات عن العيوب البنيوية في استراتيجيات حرب الإرهاب وطبيعتها البراغماتية الانتهازية الفجة، واختلال معايير التصنيفات الإرهابية وتعريفات الإرهاب الهشة، فقد اعتمد التحالف الدولي بصورة رئيسية على الفصائل الكردية للقضاء على تنظيم الدولة الكردية منذ 12 اكتوبر 2015 عبر تأسيس «قوات سوريا الديمقراطية»، وهي فصائل مصنفة كمنظمات إرهابية حسب تركيا تتبع حزب العمال الكردستاني وسلالاته العديدة، أمثال «قوات الحماية الشعبية»، وهي قوات كردية تابعة لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي»، و»قوات حماية المرأة» وهي فرع من قوات الحماية الكردية، أما بقية القوى المشاركة ضمن»قوات سوريا الديمقراطية» فهي فصائل مختلطة من أقليات عربية وإثنية هامشية.

 

شكل اعتماد أمريكا على الأكراد شرخاً في العلاقة مع تركيا بلغت أوجها بعد أن تمكنت أمريكا وقوات التحالف الدولي إلى جانب القوات الكردية من طرد تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة الرقة في أكتوبر 2017، عندما أعلنت الولايات المتحدة في 14 يناير 2018 عن نيتها تأسيس جيش كردي بدعوى حراسة الحدود، الأمر الذي فجر أزمة حادة مع تركيا التي أعلنت بدورها في 20 يناير 2018 إطلاق عملية عسكرية في مدينة عفرين شمال غربي سورية باسم «غصن الزيتون»، ورغم أن وحدات حماية الشعب كانت شريكاً محورياً لواشنطن، لكنها في الوقت نفسه كانت شريكاً إشكالياً حسب مركز كارنيجي، كون الوحدات الكردية الذراع السوري المسلح لحزب العمال الكردستاني الناشط في تركيا والمدرج على قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية، والعالق في حلقة من العنف مع تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي الذي لا غنى عنه لجهود الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب ولأية جهود ترمي إلى وقف التصعيد وفي المحصلة إنهاء الحرب الأهلية السورية.

 

يبدو أن الولايات المتحدة التي تفتقر إلى استراتيجية واضحة في سوريا انخرطت في صفقة جديدة مع تركيا، إذ يرى مراقبون أن أنقرة استغلت أزمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي لإبرام اتفاقات مع الولايات المتحدة كان من ثمارها إطلاق القس أندرو برانسون في مقابل تعهد أميركي برفع العقوبات عن تركيا، ضمن سلة تفاهمات لتسوية الخلاف بشأن أكراد سوريا، وقد أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 30 أكتوبر الماضي أن بلاده أنهت الاستعدادات لشن هجوم واسع في شمال سوريا للقضاء على وحدات حماية الشعب الكردية التي تدعمها واشنطن وتعتبرها أنقرة «إرهابية»، وصرّح أردوغان في مداخلة أمام نواب حزبه «العدالة والتنمية» في البرلمان، بالقول «سندمّر الهيكل الإرهابي في شرق الفرات، لقد أكملنا استعداداتنا وخططنا وبرامجنا بهذا الشأن»، وجاءت تصريحات أردوغان بعد يومين من استهداف الجيش التركي بالمدفعية مواقع لوحدات حماية الشعب الكردية شرق الفرات وتحديداً في منطقة عين العرب (كوباني) التي تسيطر عليها الأخيرة منذ العام 2015،

 

وأكد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار في وقت لاحق أنّ مواقع «الإرهابيين» شرقي الفرات ستكون ميدان عمل الجيش التركي، بعد الانتهاء من منبج، وفي 18 يونيو الماضي، أعلنت رئاسة الأركان التركية بدء الجيشين (التركي والأميركي) تسيير دوريات مستقلة على طول الخط الواقع بين منطقة عملية «درع الفرات» بريف حلب الشمالي، ومنبج، وفق خارطة طريق تم التوصل إليها في وقت سابق.

 

وكانت روسيا قد أبدت في الفترة الأخيرة هي الأخرى اهتماما واضحا بشرق الفرات، محذرة من مسعى أميركي لتقسيم سوريا عبر دعم الأكراد، وظهر ذلك جليا غداة القمة التي جمعت تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا التي استضافتها إسطنبول، حيث صعّدت أنقرة ضد المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شرق نهر الفرات، وقد عززت التفاهمات التركية الروسية حول إدلب مسألة شرق الفرات بعد إكمال تركيا خطتها لإقامة منطقة منزوعة السلاح في ادلب بموجب اتفاق سوتشي الذي توصلت اليه مع روسيا في سبتمبر الماضي.

 

لقد ألقت التفاهمات الأخيرة بين أمريكا وتركيا بظلالها سريعا على مسرح العمليات شرق الفرات، حيث أعاد تنظيم «الدولة الإسلامية» ترتيب صفوفه وتموضع في ثنايا الاختلافات والتفاهمات، ويُقدر التحالف الدولي وجود ألفي عنصر من تنظيم الدولة الإسلامية في جيب «هجين» شرق الفرات، وفي سياق غياب استراتيجية أمريكية واضحة شرق الفرات بدأت تركيا تصعد دبلوماسيا وعسكريا من نهجها في التعامل مع الأكراد، وسط تردد أمريكي والحديث عن إعادة بناء التحالفات، حيث بدأت القوات التركية والأمريكية دوريات مشتركة في منبج السورية، في الوقت الذي واصلت فيه أنقرة شن هجومات على الأكراد في منطقة قريبة، الأمر الذي استثمره تنظيم «الدولة الإسلامية» بشن هجمات واسعة على

قوات سوريا الديمقراطية، وهو تحالف هجين مكون من فصائل كردية وعربية، أفضى خلال الأسبوع الماضي إلى استعادة تنظيم الدولة كامل المناطق التي خسرها في محافظة دير الزور بشرق سوريا، وتمكن من استعادة بلدات «السوسة» و»المراشدة» و»موزان» و»الباغوز» في جيب «هجين» في ريف دير الزور الجنوبي، وتمكن من قتل نحو 70 شخصا وجرح العشرات وأسر 8 أشخاص، حسب إحصائيات التنظيم، والمرصد السوري لحقوق الإنسان.

 

يبدو أن التفاهمات الأمريكية التركية على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، استندت إلى تحولات عملياتية ميدانية، إذ لم تتمكن «قوات سوريا الديموقراطية» المدعومة من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من طرد تنظيم الدولة من آخر جيوبه المتبقية شمال شرقي نهر الفرات في ريف ديرالزور الشرقي، وأدت إلى فشل ذريع وخسائر كبيرة، حيث فقد الأكراد رغبتهم بقتال تنظيم الدولة وتركزت اهتماماتهم على التوصل إلى تفاهمات مع النظام السوري.

 

أحد أسباب التحول الأمريكي والتوصل إلى تفاهمات مع تركيا شرق الفرات، هو فشل الحملة ضد تنظيم الدولة التي أعلن عن انطلاقها في 11 أيلول/ سبتمبر 2018 ضمن معركة «عاصفة الجزيرة» تحت مسمى «معركة دحر الإرهاب»، والتي انطلقت من ثلاثة محاور رئيسية؛ الأول من جهة الأطراف الغربية لمدينة هجين، والثاني من جهة البادية الشمالية لقرى السوسة والباغوز وأبو الحسن، والثالث من جهة الحدود السورية-العراقية، ويشارك فيها قرابة 6 آلاف مقاتل من «قسد» و»مجلس ديرالزور العسكري»، بدعم جوي من طيران «التحالف الدولي» وكتائب المدفعية الفرنسية، بالإضافة الى قوات من الجيش العراقي ومليشيات «الحشد الشعبي» التي أوكلت لها مهمة تشديد المراقبة على الحدود السورية-العراقية، لمنع انتقال مقاتلي التنظيم بين الجانبين، والمشاركة في عمليات القصف الجوي والبري على مواقع التنظيم، وقد تحولت المعركة إلى كارثة محققة على قوات سوريا الديمقراطية، التي أعلنت عن وقف «معركة دحر الإرهاب» مؤقتا، بسبب القصف التركي على مواقع كردية في شمال سوريا، والذي انتقدته واشنطن داعية أنقرة إلى «التنسيق والتشاور»، وأسفرت هحمات تنظيم الدولة على قوات سوريا الديمقراطية منذ الإعلان عن معركة دحر الإرهاب عن مقتل أكثر من 350 مقاتلاً من قوات سوريا الديموقراطية وسقوط مئات الجرحى وعشرات الأسرى.

 

خلاصة القول أن مصائر الكرد في سوريا بات في مهب التفاهمات التركية الأمريكية والتركية الروسية، ومع ذلك فإن طموحاتهم الأكراد مختلفة وبراغماتية واقعية، فالموقف الرسمي لكرد سوريا لا يصل حد الانفصال والمطالبة بالاستقلال، وقد احتفظ الكرد بصلات مع النظام السوري، وصداقة مع الروس، وعلاقات مع إيران، وتقتصر مطالبهم عقب التحولات على مسألة الاتفاق مع دمشق بشأن الحكم الذاتي، إلا أن ذلك يتطلب تذليل الخلافات الكردية الداخلية العميقة التي بلغت حد القتال بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي، نظراً للاختلافات الإيديولوجية والبرامجية والارتباطات الدولية والإقليمية المتضاربة، لكن المؤكد أن حلم إنشاء كيان كردي مستقل أصبح مستحيلاً، بينما تحقيق حكم ذاتي بات ممكناً.

 

الرأي الأردنية

إخوان سورية

أضف تعليقاً