الإخوان المسلمون في سورية

سيناريوهات الحرب في إدلب وموانعها

محمد زاهد جول

 

لا تحتمل روسيا أن يبقى ملف إدلب مفتوحاً على وضعه الحالي وبدون حل، وفي الوقت نفسه لا تستطيع أن تخاطر بحرب مفتوحة بدون نهاية، فلا توجد ضمانات دولية لروسيا بالسماح لها بإخراج فصائل المعارضة السورية المسلحة من إدلب بعمليات عسكرية سريعة، وبالأخص من أمريكا، كما أنه لا توجد أماكن ترسلهم إليها أيضاً، كما حصل في المرات السابقة، وبالأخص في جنوب سوريا ودرعا وريفها، فأمريكا قطعت دعمها السياسي والعسكري عن فصائل المعارضة السورية في الجنوب وفي درعا بالاتفاق مع روسيا وإسرائيل.

 

وحتى الآن لم تتحصل روسيا على ضمانات أمريكية بدخول إدلب، بدون تعهد أمريكي بعدم دعم فصائل المعارضة السورية المسلحة، بل إن التصريحات الأمريكية والفرنسية والبريطانية، تظهر تشددا واضحا برفض دخول جيش الأسد لإدلب بالأسلحة الكيماوية، وروسيا تخشى افتعال مجزرة كيماوية من جيش الأسد أو غيره، فتتأزم خططها العسكرية أكثر، فروسيا لا تضمن أن يعمل بشار الأسد لصالح أمريكا في معركة إدلب، ويصبح الغرق الروسي في سوريا واضحاً وظاهراً للجميع.

 

وفي الوقت نفسه تخشى روسيا من أن لا يتمكن جيش الأسد من السيطرة على إدلب بدون أسلحة كيماوية، فهي التي تستطيع وحدها أن تدمر تحصينات المعارضة السورية فيها، إضافة لما تحدثه من هلع شعبي وفرار منها فور وقوعها، وقد انضمت ألمانيا إلى التهديدات الأمريكية والفرنسية والبريطانية بتحذير روسيا من مجازر إنسانية في إدلب، وهذا بالتأكيد يقلق روسيا، فوق إرهاقها بالعقوبات الاقتصادية الغربية عليها. كما أن الموقف التركي الذي ظهر في قمة طهران بين الرئيس التركي أردوغان والروسي بوتين والإيراني روحاني كان واضحاً وحازما برفض الحل العسكري العشوائي، الذي يقتل عشرات الآلاف من الشعب السوري في إدلب، وتصريح وزير الدفاع التركي القائل: «بأن الهجوم على إدلب سيؤدي إلى كارثة إنسانية»، يعقد الأمر أكثر على الجيش الروسي، وقد قدمت تركيا خطتها لحل المسألة، فوجدت ترحيباً من الأمم المتحدة أولاً، وعلى لسان المبعوث الأممي لسوريا ستيفان ديمستورا القائل: «بأن لدى تركيا وجهة نظر قابلة للدراسة والاحترام والإنجاز»، وهو ما أيدته العديد من الصحف الأوروبية أيضاً.

 

ولكن التهديد التركي الأكبر لروسيا وإيران هو أن أي هجوم متهور في إدلب سوف يقضي على مساعي مؤتمري سوتشي وجنيف، لإيجاد حل سياسي نهائي في سوريا، فهذا التحذير يحمّل روسيا مسؤولية كبيرة بعدم المخاطرة بعمل عسكري لا تحتمل هي مخاطره ونتائجه، ولا يحتمل الشعب السوري والمنطقة مخاطره أيضاً، كما أن فيه تحذيرا كبيرا لإيران أيضاً، فالتورط الإيراني في سوريا مغطى الآن من قبل الاحتلال الروسي، الذي يعاني من أزمة أكبر من إيران، فروسيا غارقة ومرهقة من الأزمة السورية أكثر من إيران. لقد شهدت قمة طهران سجالا علنيا بين الرئيس الروسي بوتين والرئيس التركي أردوغان، الذي طالب باصرار على ضرورة احترام اتفاق خفض التصعيد الخاص بإدلب، وهذا المسار نشأ في أصله بين تركيا وروسيا ثم ضمت إيران إليه، لضمان مشاركتها في تنفيذه، حيث يوجد لإيران ميليشيات كثيرة على الأراضي السورية، وكان من أولى ثماره إنهاء معركة حلب الشرقية في ديسمبر/كانون الأول 2016 بالتفاوض بين روسيا والمعارضة السورية، وإجلاء فصائل المعارضة عنها، وروسيا لم تذهب إلى الاتفاق مع المعارضة السورية، إلا بعد فشلها في حسم معاركها بالطرق العسكرية فقط، أي أن المعارضة السورية المعتدلة أصبحت جزءاً من مؤتمر أستانة ومن بعده في سوتشي، بل وفي مؤتمرات الدول الضامنة، وإن لم تجلس إلى طاولة المؤتمرات، وهو ما أنجح مبدأ مناطق خفض التصعيد الأربع، بما فيها إدلب حتى الآن، فالفصائل السورية المسلحة شاركت في إنجاح مناطق خفض التصعيد، ولولاها لما كان لروسيا أن تنجح بخطوة واحدة.

 

لقد حققت أمريكا معظم أهدافها في سوريا، وليس بالضرورة أن تعمل بعد الآن لتمكين روسيا من تحقيق اهدافها، فامريكا بنت قواعدها العسكرية شمال شرق سوريا، ولا تخطط للخروج من سوريا قبل القضاء النهائي الهلامي على تنظيم «داعش» أولاً، وقبل الخروج النهائي للتواجد الإيراني من سوريا ثانياً، وقبل إيجاد نظام سياسي بديل عن بشار الأسد، يضمن لها بقاء قواعدها العسكرية في سوريا بصفة قانونية، وإلا فإن استمرار الأزمة السورية في النظرة الأمريكية يمكن أن تستمر لعقود مقبلة، بينما روسيا لا تحتمل البقاء في سوريا بالصفة العسكرية طويلا، ولا تستطيع البقاء بدون إيجاد حل سياسي ينهي الصراع في سوريا، وهذا ما يجعل روسيا تفكر بكل جدية لإنهاء ملف إدلب بشكل سريع، وبدون قتال إن امكنها ذلك، وهو ما تراه إيران مستحيلاً، بينما إيران تريد توريطها بقتال عسكري مهما كانت الخسائر والمجازر، ولذلك ذهبت إيران في قمة طهران الأخيرة إلى تأييد الموقف الروسي بعدم الموافقة على هدنة جديدة في إدلب كما طلبت تركيا، لأن إيران تريد استغلال التواجد العسكري الروسي في سوريا لتدمير فصائل المعارضة السورية، وقتل أكبر عدد ممكن من الشعب السوري وتهجير الباقي، بهدف التغيير الديمغرافي فيها، ويكون وزر ذلك على الجيش الروسي وجيش بشار الأسد، فالقيادة الإيرانية وعائلة الأسد لا تمانعان قيام روسيا بالهجوم على إدلب وتدميرها، بل تشجعانها عليه.ولكن روسيا لم تهاجم إدلب بعد مؤتمر قمة طهران مباشرة، وقالت إنها لا تمانع في أن تعطي فرصا أخرى للتفاوض والتحضير العسكري السري للمواجهة في إدلب، لأنها تخشى سيناريوهات الحرب أولاً، ولا تضمن نتائجها أن تكون لصالحها ثانياً.

 

لقد خضعت إيران للمطالب الإسرائيلية للانسحاب من الحدود الجنوبية لمسافة تزيد عن أربعين كيلومترا، مقابل أن تسمح إسرائيل لجيش الأسد بأن يكون على حدودها الجنوبية والجولان، وقامت روسيا بقصف جوي محدود للقضاء على التواجد العسكري للمعارضة السورية في جنوب سوريا ودرعا والقنيطرة، أي أن الضغوط الروسية على إيران لتنفيذ الشروط الإسرائيلية، مهد لروسيا حسم معركة الجنوب لصالحها سريعاً، ولكن لا يوجد اتفاق مماثل تجريه روسيا مع أحد لحسم معركة إدلب قبل الهجوم عليها، والجيش الروسي يملك الآن خبرة ثلاث سنوات حربية في سوريا، قتل فيها الآلاف ودمر فيها الكثير، وأرسلت نحو مئة وعشرين ألف جندي روسي متعاقبين أو مجتمعين بكامل معداتهم العسكرية البرية والجوية والبحرية. وضرب الجيش الروسي سوريا بالصواريخ المجنحة من الأراضي الروسية، ومن الغواصات البحرية النووية، بدون أن تستطيع القضاء على الثورة السورية، ودفعت روسيا حتى الان الخسائر المادية والمعنوية الكثيرة، ورغم مسارعتها لإعلان انسحابها العسكري من سوريا قبل انتخابات الرئاسة الأخيرة في مراسم شكلية، إلا أنها بقيت غارقة في سوريا، فلا يستطيع بشار الأسد أن يكون رئيسا لسوريا في المستقبل كما كان في الماضي إطلاقاً، ولا تستطيع جيوش إيران حماية القواعد الروسية في المستقبل أيضاً. فمستقبل روسيا في سوريا من الغموض الذي يرهق الاقتصاد الروسي كما يقلق ويزعج الشعب الروسي أيضاً.

 

السيناريوهات العسكرية التي تراهن عليها روسيا في سوريا غير مضمونة النتائج، رغم قسوتها في ما لو غامرت روسيا بارتكابها، فالأزمة الروسية هي أن الجيش الروسي قد لا يستطيع احتلال إدلب إلا بخسائر كبيرة من كل الأطراف، بما فيها الجيش الروسي، ولكن الأخطر من الاحتلال هو أن الاحتلال الروسي لإدلب لو تم بعد أسابيع أو شهور أو سنين، فإنه لا يضمن إنهاء الصراع في سوريا أولاً، ولا يضمن انتصار بشار الأسد ثانياً، وبالتالي العجز عن تنفيذ حل سياسي قد يرفض المجتمع الدولي الموافقة عليه، فالأزمة الروسية ليست في خوض حرب احتلال ادلب فقط، وإنما في قدرتها على الاستفادة من هذا الاحتلال لإنهاء الصراع في سوريا، بل هو سيكون عكس اهداف روسيا الحالية، وهي إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، والشروع في تنفيذ عمليات اعادة بناء سوريا ثانياً، وهو ما تجد روسيا فيه موانع كثيرة للنجاح، وبالأخص أن الولايات المتحدة الأمريكية تشترط قبل عملية إعادة بناء سوريا إنهاء حكم الأسد ونظامه.

كاتب تركي

 

القدس العربي

إخوان سورية

أضف تعليقاً