الإخوان المسلمون في سورية

هل تشهد إدلب تحركاً عسكرياً تركياً روسياً مشتركاً؟

محمود عثمان

 

لا ضير من التذكير مرة أخرى بأن اتفاق سوتشي كان بالنسبة إلى موسكو حالة شبه اضطرارية، حيث حرمها الفيتو الأمريكي والتركي من فرصة الحسم العسكري في إدلب، وإعلان النصر في عموم سورية.

 

نصَ الاتفاق الروسي التركي الذي تم التوصل إليه في مدينة سوتشي الروسية على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 إلى 20 كيلومتراً على خطوط التماس بين قوات النظام وفصائل المعارضة عند أطراف إدلب، وأجزاء من ريف حماة الشمالي، وريف حلب الغربي، وريف اللاذقية الشمالي.

 

اتفاق سوتشي بخصوص الأزمة السورية، الذي نجح في تجنيب إدلب كارثة إنسانية كبيرة، لم يكن تتويجا للنمو المضطرد للعلاقات بين البلدين وحسب، إنما ثمرة للثقة المتبادلة بين الرئيسين أردوغان وبوتين.

 

بعد التوقيع على اتفاق سوتشي، تنفس الجميع الصعداء، وتوالت رسائل الترحيب والتأييد لهذا الاتفاق، ابتداء من الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة وصولاً إلى دول الاتحاد الأوربي، حيث كان من المتوقع حدوث موجات نزوح بشري لا يمكن أن تقف في وجهها حدود الجغرافيا، ولا التدابير الأمنية الصارمة التي اتخذتها الدول على حدودها.

 

* مقابل التزام المعارضة بتطبيق اتفاق سوتشي استمرت خروقات النظام دون انقطاع

 

نجحت تركيا في حث أطراف المعارضة على الالتزام باتفاق سوتشي، فقد التزمت جميع فصائل المعارضة التي ضمنتها تركيا في أستانا، وكذلك “هيئة تحرير الشام” التزمت بتطبيق بنود الاتفاق دون خروقات تذكر.

 

بذلت أنقرة جهوداً كبيرة من أجل سحب ذرائع الروس التي كانت تقول بأن قاعدتهم في حميميم تتعرض بشكل مستمر لهجمات من طرف إدلب، حيث لم يسجل أي هجوم ضدهم بعد التوقيع على الاتفاق.

 

في المقابل لم تلتزم قوات نظام الأسد ببنود اتفاق سوتشي. بل إن وزير خارجية النظام وليد المعلم صرح عقب التوقيع على الاتفاق مباشرة، بأن نظامه غير معنيً بتطبيق اتفاق سوتشي، كما استمرت حشود قوات النظام والمليشيات الإيرانية المساندة لها حول إدلب.

 

خروقات النظام لاتفاق سوتشي لم تتوقف يوماً واحداً. بل استمر القصف المدفعي على جميع مناطق سيطرة المعارضة، كان آخرها المجزرة التي ارتكبتها قوات النظام السوري أول البارحة في مدينة معرة النعمان جنوب إدلب، المشمولة ضمن مناطق الاتفاق، حيث ارتفع عدد الضحايا إلى 12 قتيلاً و30 جريحاً. فقد أوضح مدير مركز الدفاع المدني في معرة النعمان عبادة ذكرى أن حصيلة القتلى عشرة رجال وامرأة وطفل، بينما بلغ عدد الجرحى 24 رجلاً وامرأتين و أربعة أطفال، مضيفاً أن القصف خلف دماراً واسعاً في ممتلكات المدنيين.

 

* دول عربية دفعت هيئة تحرير الشام لمحاربة الجيش الحر

 

كشفت تقارير استخباراتية عن جهات دفعت المدعُوّ “أبو اليقظان المصري” أبرز شرعيي هيئة تحرير الشام لإصدار فتاوى محاربة الجيش الحر في الشمال السوري، بعد القرار الأمريكي بالانسحاب من سورية وحديث ترامب عن محاربة تنظيم الدولة من قِبَل تركيا. صحيفة “يني شفق” التركية أشارت إلى دولتين خليجيتين دفعتا هيئة تحرير الشام، اللتان تدعمانها مالياً بزعزعة استقرار المنطقة، وبإعطاء الضوء الأخضر لـ”أبو اليقظان المصري” لإصدار فتاوى محاربة الفصائل الأخرى المتواجدة في الشمال، بهدف تعطيل اتفاق سوتشي وتشتيت انتباه تركيا عن عملية شرق الفرات، وزجّها في نزاعات إدلب.

 

صحيفة “يني شفق” التركية كشفت أيضاً أن الجناح العسكري في هيئة تحرير الشام شَنّ الهجوم على فصائل الجبهة الوطنية للتحرير طبقاً لتعليمات “أبو حسين الأردني”، والذي كان ضابطاً في القوات المسلحة الأردنية، مشيرةً إلى أن النظام السوري استغل الاشتباكات، وعمل على حشد قواته ونقل الأسلحة الثقيلة إلى المنطقة.

 

* أنقرة تتهم دولاً في التحالف الدولي بدعم “هيئة تحرير الشام” لإحباط اتفاق إدلب

 

تتهم أنقرة أعضاء لا تسميهم في تحالف واشنطن الدولي ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، بدعم الفصائل المتشددة في إدلب السورية في محاولة لإحباط الاتفاق التركي الروسي حول وقف التصعيد في إدلب.

 

وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو قال بالحرف الواحد: “بعض الشركاء في التحالف يدعمون هيئة تحرير الشام”… أولاً من أجل إلحاق الضرر باتفاقية إدلب، وثانياً لأن هذه الدول تبذل جهوداً كبيرة لمنع تشكيل اللجنة الدستورية في سورية”. وأضاف أن هذه الدول تحرض تحرير الشام على انتهاك اتفاق إدلب بتقديم الدعم المالي لها”.

 

* التركيز الروسي على اتفاقية أضنة

 

في سوتشي اتفق الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان في سبتمبر 2018 على إعلان منطقة منزوعة السلاح على طول خط التماس بين المعارضة المسلحة وقوات جيش النظام والمليشيات الإيرانية المساندة له في محافظة إدلب.

 

تعتمد الرؤية التركية لإدارة محافظة إدلب على تفكيك هيئة تحرير الشام/ النصرة، عن طريق الفصل بين مقاتليها إلى سوريين وأجانب، بحيث يتم ضم ما يقارب 15 ألف عنصر سوري من الهيئة إلى “الجيش الوطني”، بعد إنشاء المنطقة الآمنة التي تسعى إليها تركيا.

 

العقدة التي تعرقل مساعي تركيا تتمحور حور امتناع الدول التي جاء منها المقاتلون الأجانب إلى إدلب عن استعادتهم، وبدل مد يد العون لتركيا ومساعدتها. على العكس من ذلك تبذل بعض الدول جهوداً مكثفة من أجل عرقلة مساعي تركيا، لدرجة أن بعض الدول قدمت لهيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة معلومات استخباراتية عن تحركات تركية كان هدفها شن هجمات ضد مقاتلي الهيئة في بعض المناطق، ودول أخرى لم تتوان في تقديم شتى أنواع الدعم، من مال وسلاح وعتاد، لكي يبقى تنظيم القاعدة قوياً ومسيطراً على محافظة إدلب.

 

في تطور لافت صرح الرئيس الروسي بوتين بأن الوجود التركي في سورية شرعي يستند إلى اتفاقية أضنة، الموقعة عام 1998 بين تركيا وسورية. بعدها مباشرة قال وزير خارجيته سيرغي لافروف إن وجود جبهة النصرة في إدلب مخالف للتفاهم الروسي التركي بشأن المنطقة، مضيفاً أن أنقرة ودمشق يمكنهما الاستنادُ إلى اتفاق أضنة لتأمين حدودهما.

 

بالتوازي مع التحركات السياسية والزيارات المكوكية بين أنقرة وموسكو، يجري وفد عسكري – أمني تركي محادثات في موسكو لبحث خطوات مشتركة في محافظة إدلب وسط توقعات بعملية عسكرية روسية يعتزم الروس تنفيذها ضد جناح معين داخل هيئة تحرير الشام.

 

مصادر روسية أكدت أن موسكو تعمل مع الجانب التركي على تهيئة الأجواء لإطلاق عملية عسكرية محدودة النطاق في إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام بشكل شبه كامل.

 

المصادر نفسها أشارت إلى مناقشات جرت مؤخراً بين قياديين سوريين وقيادات تركية حول إنهاء دور “الجهاديين” الأجانب الموجودين ضمن صفوف ” هيئة تحرير الشام” وترحيلهم إلى بلادهم.

 

الرؤية التركية لإدارة محافظة إدلب وما حولها، تقوم على إعلان حكومة مركزية في مناطق الشمال السوري، وذلك بعد حل حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام، وتطوير هيكل الحكومة المؤقتة الحالية والمجالس المحلية التابعة للائتلاف الوطني السورين بحيث تدير الحكومة الجديدة مساحة تزيد على 20 ألف كيلومتر مربع، بما يشمل ريفي حلب ومحافظة إدلب، ويكون الجيش السوري الحر هو القوة العسكرية الوحيدة الموجودة في المنطقة، بعد أن يتم زيادة عدد مقاتلي “الجيش الوطني” من 35 ألفاً إلى 80 ألف مقاتل، عبر تشكيل هياكل منضبطة ومنظمة ومدربة تدريباً جيداً.

 

منذ تدخلهم العسكري عام 2015 ، والروس يسعون إلى الإمساك بجميع خيوط المعادلة في سورية، على الصعيدين العسكري والسياسي معا. وقد شكل إعلان الرئيس الأمريكي ترامب قراره سحب قوات بلاده من سورية، فرصة ذهبية بالنسبة للروس للوصول إلى هدفهم المنشود، بالسيطرة الأحادية على مركز القرار في سورية.

 

لكن القيادة الروسية تدرك جيداً أن أي تحرك على الأراضي السورية إن لم يكن مشفوعاً بموافقة تركية، وبتنسيق مع أنقرة فإن مصيره الفشل لا محالة. من أجل ذلك أعطت موسكو موافقتها على قيام تركيا بعملية عسكرية في منبج وشرق الفرات، مقابل سماح أنقرة لموسكو بالدخول على خط إدلب، مما ترك الباب مفتوحاً أمام احتمالات قيام الطرفين بجهود مشتركة هناك.

 

الأناضول

إخوان سورية