الإخوان المسلمون في سورية

الجماعة الجماعة! (1 من 3)

بقلم: محمد عادل فارس

 

في الحديث عن التزام الجماعة وجدوى العمل الجماعي ومشروعيته وما يتعلق به، أَقسم الحديث إلى ثلاث حلقات:

 

الأولى: في جدواه ومسوّغاته شرعاً وعقلاً.

 

والثانية: في عوامل نجاحه، شكلاً ومضموناً.

 

والثالثة: في أمور تتعلق به، كواجب الدعوة الفردية، وموضوع السرية والجهرية ونحو ذلك.

 

والآن إلى الحلقة الأولى:

 

لقد كان خطاب القرآن الكريم للمؤمنين بصيغة الجمع: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة). (كُتب عليكم الصيام). (وأتمّوا الحج والعمرة لله)… ونحو ذلك.

 

فإذا قال قائل: إنه خطاب للمؤمنين نعم وإنما يراد به التكليف الفردي، فلنذكر آيات أخرى وأحاديث نبوية تنُصّ على “الجماعية”:

 

قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى). {سورة المائدة: 2}.

 

ولا ريب أن الدعوة إلى الله وإقامة شرعه من أفضل البر: (ومَن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال: إنني من المسلمين). {سورة فصلت: 33}.

 

وقال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا). {سورة آل عمران: 103}. وهي دعوة إلى التجمع حول كتاب الله ودينه.

 

وقال سبحانه: (ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون). {سورة آل عمران: 104}. وفي تفسير هذه الآية يقول الإمام ابن كثير، وهو من كبار أئمة التفسير: “والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدّية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجباً على كل فرد بحسبه”.

 

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “يد الله مع الجماعة”. رواه الترمذي.

 

ويقول: “فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية”. رواه أحمد وأبو داود.

 

قال العيني في شرح أبي داود: “القاصية” أي الشاة المنفردة عن القطيع، البعيدة عنه.

 

وإن خبرات الناس وواقعهم يدل على أهمية التعاون والتكتل لا سيما في هذا العصر الذي استحوذت فيه الشركات العابرة للقارات على الاقتصاد، وتمكنت من التحكم في لقمة العيش لمئات الملايين، كما استحوذت المؤسسات الإعلامية الكبرى على التحكم في الرأي العام وتشكيله على مستوى العالم كله.

 

وطالما ردّدنا الحكمة التي تروى عن معن بن زائدة يخاطب بها أولاده:

 

كونوا جميـعـاً يا بَنِيّ إذا اعتــرى خَـطْب ولا تتفـــرّقوا آحــادا

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسُّراً وإذا افترقنَ تكسرتْ أفرادا

 

وإذا تأملنا في النفس البشرية نجد أن فيها خطوطاً متقابلة، منها حب الاستقلال والتفرد، مع حب الاجتماع والاندماج. ففي الوقت الذي يرغب فيه الإنسان أن يفكّر ويتصرف باستقلالية كاملة من غير أي ضغط، ومن غير أي مجاملة للآخرين… نجده يرغب أن يُشبع دافعه الاجتماعي فيكون مقبولاً من المجتمع حوله، فيشاركهم ويشاركونه في الأفراح والأتراح والنشاط السياسي والاقتصادي، ويكون عضواً في نقابةٍ أو نادٍ أو جمعية أو حزب… وهذا يؤدي إلى تشكّل هذه الوحدات الاجتماعية، ثم إلى تأثير هذه الوحدات في سير المجتمع والدولة وتغطيتها على تأثير الأفراد الذين يرغبون عن المشاركة وتغلب عليهم روح الانفراد والاستقلال.

محمد عادل فارس

أضف تعليقاً