الإخوان المسلمون في سورية

الجماعة الجماعة! (3 من 3)

بقلم: محمد عادل فارس

 

تكلمنا في الحلقتين السابقتين عن مسوّغات العمل الجماعي، ثم عن العوامل التي تؤدي إلى نجاحه. وفي هذه الحلقة الأخيرة نتناول بعض متعلقات هذا العمل.

 

1- من معزّزات العمل الجماعي الإسلامي أن يعمُرَ الحب في الله قلوبَ العاملين، وأن يعملوا على ما يعمّق هذا الحب، كالتزاور فيما بينهم والتهادي: “تهادَوا تحابُّوا”، من حديث رواه البخاري في الأدب المفرد، وبسطِ العلاقة بين الإخوان بعيداً عن الكلفة والتكلف، وقد أخرج البخاري عن أنس أن عمر بن الخطاب قال: “نُهينا عن التكلف”.

 

2- الدعوة الفردية بأن يعمل كل أخ على نشر الدعوة وقيمها وغاياتها فيمن حوله من أهلٍ وأصحاب ورواد المسجد… فهذا دليل على ولائه وانتمائه وعمق إيمانه بها.

 

3- تكوين المجال الحيوي للدعوة، وما ذكرناه من الدعوة الفردية هو أحد دعائم هذا التكوين، ويتبعه ويلازمه تقديم الأسوة الحسنة والسلوك القويم والإحسان إلى المجتمع، ويقويه إلقاء المحاضرات والدروس الخاصة والعامة، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

 

4- التزام ما يناسب من سرية وعلنية. والعلنية هي الأصل، وإنما يجنح العاملون إلى السرية بقدر ما يلْقَون من تضييق وعَنَت.

 

5- الحماسة، وهي  ثمرة طبيعية للإيمان العميق بالفكرة. والحماسة تناسب سن الشباب الذين هم عماد كل جماعة، وإذا خَبَت النفوس من الحماسة فقد ذبلت الدعوة، لكن حكمة الشيوخ مهمة في ضبط الحماسة حتى لا تتحول إلى تهوّر وتصرفات لا تحمد عقباها.

 

6- التعصب الحزبي الذي ينشئ الخصومة مع الفئات الأخرى لمجرد أن لها تنظيمات مغايرة واجتهادات مغايرة، وكذلك التعصب الفئوي والفصائلي والإقليمي… هذه كلها مقائل للعمل الجماعي الإسلامي.

 

7- الفُرقة والانشقاق، وهذا يكون ثمرة مُرّة للتمحور حول شخصية من التنظيم ذات كارزمية، ولها رؤى خاصة تريد أن تفرضها على كامل الجماعة وتجمّع حولها الأنصار، وتفسّر الأنظمة بما يخدم هواها… ولا يخفى أن ذلك مقْتَل من مقاتل العمل الجماعي.

 

8- تحقيق المصالح الشخصية أو الفئوية، على حساب المصلحة العامة للجماعة، أو على حساب القيم التي قامت عليها. وهذا يُضعف كيان الجماعة وقد يودي بها.

 

9- وإن الجماعة هي في خدمة الحق الذي نزل به كتاب الله تعالى، وحيثما وُجد انحراف عن الحق فليست هي الجماعة التي أمر الشارع بالعمل معها. والانحراف الذي نعنيه ليس هو مجرد أن تتبنّى الجماعة رأياً أو اجتهاداً يغاير اجتهاداً إسلامياً آخر، إنما يعني أن يغاير حكماً إسلامياً مجمَعاً عليه أو تغاير ما عليه جمهور علماء الأمة.

 

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “الجماعة ما وافق الحق وإن كنتَ وحدك”. رواه الترمذي، وصححه الألباني.

 

وعن الفضيل بن عياض رحمه الله قال: “عليك بطريق الهدى وإنْ قلّ السالكون، واجتنب طريق الردى وإن كثُر الهالكون”. ذكره الشاطبي في الاعتصام، والنووي في المجموع.

 

10- وأما الجماعة التي ينبغي اتباعها فهذا يعود إلى اجتهاد الفرد المسلم، فما وجده من الجماعات أنه الأقرب إلى الحق والصواب والرشاد فليتّبعه، ثم لا يتعصب له بحيث يسيء الظن بالجماعات الإسلامية الأخرى، أو يعاديها، أو ينقم عليها، أو ينظر إليها نظرة استعلاء… بل يأخذ بالحكمة التي تُنسب إلى الشيخ محمد رشيد رضا: “نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذُر بعضُنا بعضاً فيما اختلفنا فيه”.

محمد عادل فارس

1 comment