الإخوان المسلمون في سورية

المحنة في طريق الدعاة (3)

الحلقة الثّالثة
  1. النّاس أصناف في مواجهة الشدائد

والناس في مواجهة الشدائد والمحن أصناف مختلفة.
* فمنهم من يضعُف، وربّما تنكّب طريق الحقّ، حرصـاً على الحياة والرزق, وخوفاً من عذاب النّاس. وقد أشـار القرآن الكريم إلى هذا الصـنف في قولـه تعالى: ((ومن النّاس من يقـول آمـنّا بالله. فإذا أوذي فـي الله جعل فتـنـة النّاس كعذاب الله)) سورة العنكبوت: 10. وموقفهم هذا ناشئ عن الجهل، أو ضعف الإيمان، أو الهزيمة النّفسيّة التي يعيشونها. ولقد قرر القرآن الكريم بوضوح أن الحياة والرزق بيد الله وحده، وأن العباد لا يملكون منهما شيئاً:
((الله الذي خلقكم ثم رزقكم، ثم يميتكم ثم يحييكم. هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء)). سورة الروم: 40.
وربما زاد بعضهم على هذا الخوف نقيصةً أخرى، فراح يهاجم العاملين للإسلام، متهماً إياهم بالجهل، ومفتشاً عن أخطائهم، لعل ذلك – في تقديره – يطمس الحقيقة، ويستر خوفه وجبنه وضعف إيمانه، فيظهر أمام الناس حكيماً كيّساً، لا جباناً منهزماً.
نعم قد يكون الابتلاء نتيجة مخالفة وأخطاء، كما حدث في غزوة أحد عندما خالف الرّماة الأوامر، وقد ينزل من دون تلك المقدمات والأخطاء، كما حدث للذين آمنوا بالله عزّ وجلّ، فأمر الملك الظالم بحفر الأخدود، وإضرام النار فيه، ثم ألقي المؤمنون في النار ((وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد).
* ومنهم صنف يُقابل ذلك الصنف الضعيف، لا تهزه العواصف، ولا تزحزحه المحن. يشق طريقه غير عابئ بما يلاقيه في سبيل الله عز وجلّ. يستعذب العذاب، ويستسهل الصعب. ولقد كان هذا الصنف هو الغالب في جيل الصحابة، وكانت مواقفه وتضحياته سبباً في انتصار الحقّ وبقائه. وقد تمثلت حقيقة هذا الصنف في مواقف كثيرة كموقف أنس بن النّضر في أحد، عندما أشيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قُتل، فقال أنس: فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه… ثم استقبل القوم فقاتل حتى قُتِل…
وموقف زيد بن الدَّثِنَّة حين قدّمه المشركون للقتل فسأله أحدهم: أَنْشُدُك الله يا زيد، أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه، وأنت في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تُصيبه شوكة تؤذيه، وأني جالس في أهلي!.
وموقف خبيب بن عديّ حين قدموه ليصلبوه فقال شعراً، منه:
ولست أبالي حين أُقتل مسلماً             على أي جنب كان في الله مصرعي
ولست بمبدٍ للعـدوّ تخشُّعـاً                 ولا جزعـاً، إنّي إلى الله مرجـعي
وقد نوّه القرآن الكريم بهذا الصنف، وذلك في قول الله تبارك وتعالى: (وكأيّن من نبيّ قاتل معه رِبّيّون كثير، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعُفوا وما استكانوا. والله يحبّ الصّابرين)). سورة آل عمران: 146.
وفي قوله سبحانه: ((من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه. فمنهم من قضى نَحْبَهُ، ومنهم من ينتظر. وما بدّلوا تبديلاً)). سورة الأحزاب:23
* وثمة صنف ثالث يشتدّ تارة ويقوى، ويضعف تارة أخرى. وهذا الصّنف وإن كان فيه بقية خير، فإنه لا يعوّل عليه، فقد يخذل الدعوة في أصعب الظروف.
فمن أيّ هذه الأصناف تريد أن تكون؟!

محمد عادل فارس