الإخوان المسلمون في سورية

درس في اختيار القادة من النبي صلى الله عليه وسلم

 

اللواء الركن محمود شيت خطاب (رحمه الله تعالى)

 

الأسوة الحسنة:

 

اختيار الرجل المناسب للعمل المناسب ليس عملاً سهلاً، لأن النفس الأمارة بالسوء لا تميلُ إلى تولية مَن هو أفضل منها كفاية وعلماً وخُلقاً، بل تميل إلى تولية من هو أقل منها كفاية وعلماً وخُلقاً ليسهل سيطرة الحاكم على المحكوم، وليبرز الحاكم ويبقى المحكوم في الظل.

 

وهو سر نجاح الحكام والمحكومين، لأن القادة الصالحين عقيدةً وكفاية، هم الذين يقودون شعوبهم إلى النصر في أيام الحرب، ويعينونهم على التقدم والنجاح في أيام السلام.

 

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مؤيَّداً من الله عز وجل بالوحي، وكان لهذا التأييد أثره الحاسم في توفيقه بشيراً ونذيراً، وسياسياً وإدارياً، وقائداً وجندياً، ومربّياً ومعلّماً.

 

وهذا التأييد الإلهي بالوحي، لا يمنع أن تكون لكفاياته الشخصية عليه الصلاة والسلام أثر حاسم أيضاً في توفيقه، وهذه الكفايات هي القدوة والأسوة والمثل الذي باستطاعة المسلم أن يضعها نصب عينيه، لأنها كفايات بشرية متميزة، يمكن الطموح إلى اقتفاء آثارها.

 

أما التأييد الإلهي بالوحي، فيقتصر على الأنبياء والرسل وحدهم دون سواهم من الناس.

 

اختيار الرجال:

 

لقد وجدتُ بالدراسة المستفيضة لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولِسيَر قادته العسكريين خاصة وغير العسكريين عامة، أن من ضمن كفايات النبي صلى الله عليه وسلم الفذّة، قدرته النادرة على اختيار الرجل المناسب للعمل المناسب.

 

ووجدتُ أن هذه القدرة التي رافقتْه في حياته المباركة، هي من أهم الأسباب “الدنيوية” لانتصاره في الحرب والسّلم.

 

وكان صلى الله عليه وسلم يعرف أصحابه معرفة دقيقة مفصّلة، ويعرف ما يتميز به كل صحابي من “مزايا”، ويستعمل هذه المزايا استعمالاً كاملاً لخير هذا المجتمع، وللمصلحة العامة للمسلمين.

 

وكان في الوقت نفسه يدرك ما يعاني كل صحابي من “نواقص” طبيعية، وكان يتغاضى عن تلك النواقص، ويحاول تقويمها وتلافي محاذيرها، ويذكر أصحابها بأحسن ما فيهم، تقديراً لهم وإعجاباً بهم وتشجيعاً لهم.

 

بهذا الأسلوب الحكيم الرائع، كان النبي صلى الله عليه وسلم يبني المسلم ولا يحطّمه، ويقوّم المعوج ولا يكسره، ويشيّد للحاضر والمستقبل، لا للحاضر القريب وحده، ولا للساعة التي هو فيها.

 

وكان صلى الله عليه وسلم يعرف كفايات أصحابه وقابلياتهم حق المعرفة، فلم تُغْمَط كفاية ولم يُهمَل صاحب كفاية، فأضيفت التجربة العملية بعد تسخير تلك الكفايات إلى أصحابها، فصُقِلت تلك الكفايات ولمع أصحابها.

 

——————-

[باختصار، من مقال للواء الركن محمود شيت خطاب، منشور في مجلة الأمة – كانون الثاني 1984م]

إخوان سورية