الإخوان المسلمون في سورية

رسالة المؤتمر الخامس

خلاصة الخطاب الذي ألقاه الإمام البنا في المؤتمر الدوري الخامس عام 1357هـ- 1938م بعد مرور عشر سنوات على تأسيس الجماعة.

مقدمة:
كنت أودُّ أن نظل دائماً نعملُ ولا نتكلم، وندعُ الأعمال تتحدث عن الإخوان وخطوات الإخوان، وأما إذ أحببتم هذا اللقاء الكريم، فليكن فرصة نعرضُ فيها برامجنا، ونراجع أعمالنا، ونستوثق من مراحل طريقنا، ونُحدد الغاية والوسيلة.. ونعرّف الناس بالإخوان المسلمين على حقيقتهم من غير لبس ولا غموض. ثم نحن نرحب بكل رأي ونصيحة ومشورة، لنأخذ الصالح منها.
الإخوان فكرةٌ في نفوس أربعة:
إن تجاربي في الحياة علمتني أن السعادة التي ينشدها الناس، إنما تفيض عليهم من نفوسهم وقلوبهم، كما أنّ الشقاء الذي يهربون منه إنما يصدر من نفوسهم وقلوبهم كذلك، مصداقاً لقول الله تعالى: (﴿إنّ الله لا يُغيّر ما بقومٍ حتّى يُغيّروا ما بأنفسهم)﴾. وما رأيت كلاماً أعمق في فلسفة الاجتماع من قول الشاعر:
لَعمرك ما ضاقت بلادٌ بأهلها… ولكنّ أخلاقَ الرجال تضيقُ
وليس من مبدأ يكفل سعادة الإنسان كالإسلام، في عقيدته ونظامه.
ولهذا وقفت نفسي على غاية واحدة هي (إرشاد الناس إلى الإسلام حقيقة وعملاً). ولهذا كانت فكرة الإخوان المسلمين (إسلامية بحتة) في غايتها ووسائلها.
ظلت هذه الخواطر داخل نفسي، وقد أحدّثُ بها بعض من حولي، في شكل دعوة فردية، أو خطابة، أو حث لبعض الأصدقاء من العلماء على بذل الهمة ومضاعفة الجهود لإرشاد الناس…
وكنت أجد التثبيط أحياناً، والتشجيع أحياناً، والتريث أحياناً. ولعل أكثر من وجدتُ فيه الاهتمام والاستعداد والتفهم هو المرحوم (أحمد باشا تيمور) أفسح الله له في جنته.
ولّيتُ وجهي شطر الأصدقاء الذين جمعني وإياهم عهد الطلب وصدق الود والشعور بالواجب فوجدت استعداداً حسناً، وكان أسرعهم مبادرة الإخوان الفضلاء: أحمد أفندي السكري، والمرحوم الشيخ حامد عسكرية، والشيخ أحمد عبد الحميد وغيرهم.
وكان عهد، وكان موثق، أن يعمل كل منا لهذه الغاية حتى يتحول العرف العام في الأمة إلى وجهة إسلامية صالحة.
وليس يعلم إلا الله، كم من الليالي قضيناها ونحن نستعرض حال الأمة نحلل الأدواء ونفكر في العلاج… ويفيض بنا التأثر إلى حد البكاء.
وكم كنا نعجب إذ نرى أنفسنا في مثل هذه المشغلة النفسانية العنيفة والخليّون هاجعون يتسكعون على المقاهي، ويترددون على أندية الفساد، فإذا سألت أحدهم عن ذلك قال: أقتلُ الوقت! وما درى بأنه إنما يقتل بذلك نفسه فإنما الوقت هو الحياة.
كنا نعجب لهؤلاء، وكثيرٌ منهم من المثقفين، ومن هم أولى منّا بحمل هذا العبء، ثم نقول: أليس داء من أدواء الأمة –ولعله أخطرها- ألا تفكر في مرضها؟
ثم فرّقتْ بيننا الأيام فكان أحمد السكري بالمحمودية، وحامد عسكرية بالزقازيق، وأحمد عبد الحميد بكفر الدوار، وكنت بالإسماعيلية.
وفي الإسماعيلية وُضعتْ أول نواة تكوينية للفكرة، وظهرت أول هيئة متواضعة تحت اسم الإخوان المسلمين في ذي القعدة 1347هـ (وكان ذلك على أيدي الإخوة الستة: حافظ عبد الحميد، وأحمد الحصري، وفؤاد إبراهيم، وعبد الرحمن حسب الله، وإسماعيل عزّ، وزكي المغربي. أؤلئك الذين قدّموا لله أنفسهم وأموالهم وجهودهم، ووضعوا الأمانة في عنق البنا – راجع مذكرات الدعوة والداعية).
إسلام الإخوان المسلمين:
لستُ أعني بهذا التعبير أن للإخوان إسلاماً جديداً، وإنما أريد أن أشرح فهمهم للإسلام بعد أن اختلف فهم الناس للإسلام وتعدّد. فعامة المسلمين لا يرى في الإسلام شيئاً وراء حدود الشعائر التعبدية، ومن الناس من لا يرى في الإسلام إلا الخلق الفاضل والروحانية الفياضة، ومنهم من يرى الإسلام عقائد موروثة وعادات بالية لا بد من التخلص منها، ويكثر وجود هذا الصنف فيمن تلقّوا الثقافة الأجنبية ولم تُتَحْ لهم فرصة الاتصال بالحقائق الإسلامية.
كما تعددت نظرة الناس إلى الإخوان المسلمين، فمنهم من يرى الإخوان جماعة وعظية إرشادية، ومنهم من يتصورهم طريقة صوفية، أو يظنهم نظرية فقهية… وقليل من الناس من أدرك حقيقة دعوة الإخوان المسلمين.
وأنا أريد أن أوضح دعوة الإخوان وفهمهم للإسلام في ثلاث نقاط:
1- الشمول:
أحكام الإسلام تنتظم شؤون الناس في الدنيا والآخرة. فالإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف.
وفي القرآن الكريم توجيه إلى العبادة المخلصة، وإلى الأخذ من زينة الدنيا وإلى تنظيم شؤون الحكم والسياسة والقتال والمداينة، وفيه تشنيع على من يتخذ الدين أجزاء وتفاريق كما فعل اليهود. قال تعالى: (﴿أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟ فما جزاءُ من يفعل ذلك منكم إلا خزيٌ في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب. وما الله بغافل عما تعملون)﴾.
2- الربّانية:
أساس تعاليم الإسلام ومعينها كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولن تضلّ الأمة ما تمسكت بالكتاب والسنة. وإن كثيراً من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام إنما تلونت بلون العصر الذي نشأت فيه، ولهذا يجب أن نستقي النظم الإسلامية التي تُحمل عليها الأمة، من هذا المعين الصافي، وأن نفهم الإسلام كما فهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح رضي الله عنهم.
3- الواقعية:
الإسلام دين البشرية كلها، في عصورها جميعاً، وفي جوانب الحياة كلها. فمن واقعيته أن يرسم القواعد الكلية ويدع كثيراً من التفصيلات والجزئيات لا سيما في شؤون الدنيا. وأن يعالج النفس الإنسانية من أمراضها، ويسمو بها في آفاق الكمال. فإذا استقامت النفس استقام كل سلوك يصدر عنها. ولقد قيل: إن العدل يكون في نفس القاضي أكثر مما يكون في نص القانون.
فبالقواعد الكلية والتوجيهات العامة لشؤون الحياة المتطورة (مع ضبط مفصل للشؤون الثابتة) ومع تهذيب للنفس البشرية وتطهير… تنطلق الحياة نظيفة في ظل الإسلام.
فكرة الإخوان المسلمين تضم كل المعاني الإصلاحية:
كان نتيجة الفهم الصحيح للإسلام أن أصبحت دعوة الإخوان المسلمين شاملة لكل خير، يجد فيها كل مخلص غيور أمنيته. وعليه نقول: إن الإخوان المسلمين:
1- دعوة سلفية: لأنهم يدعون بالعودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
2- وطريقة سنية: لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات.
3- وحقيقة صوفية: لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير.
4- وهيئة سياسية: لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم، وتعديل النظر إلى صلة الأمة الإسلامية بغيرها، وتربية الشعب على العزة والكرامة.
5- وجماعة رياضية: لأنهم يُعنَون بجسومهم ويقيمون الأندية والفرق الرياضية.
6- ورابطة علمية ثقافية: لأن الإسلام يهتم بالعلم. وأنديةُ الإخوان مدارس للثقافة والتعليم والتربية.
7- وشركة اقتصادية: لأن الإسلام عني بشؤون المال والصناعة والتجارة والزراعة…
8- وفكرة اجتماعية: لأنهم يعنون بأدواء المجتمع ويحاولون علاجها.
وليس في الاهتمام بهذه النواحي جميعاً أي تناقض أو تعارض. فقد ترى الأخ في المحراب خاشعاً متبتلاً، ثم تراه مدرساً واعظاً، ثم تراه في الملعب رياضياً، ثم في عمله تاجراً أو صانعاً.
بعض خصائص دعوة الإخوان:
1- البعد عن مواطن الخلاف: يرى الإخوان أن الخلاف في الفرعيات أمر ضروري. لأن العقول تختلف في فهم نصوص الآيات والأحاديث. ولذلك كان الخلاف واقعاً بين الصحابة أنفسهم، وسيبقى الخلاف إلى يوم القيامة. وما أحكم قول الإمام مالك رضي الله عنه حين قال لأبي جعفر المنصور، وقد أراد أن يحمل الناس على الموطأ: “إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار، وعند كل قوم علم. فإذا حملتهم على قول واحد تكون فتنة”.
وليس العيب في الخلاف، ولكن العيب في التعصب للرأي، والحجر على عقول الناس وآرائهم.
2- البعد عن هيمنة الكبراء والأعيان: لأن هؤلاء ينصرفون إلى الدعوات التي تستتبع الغنائم، ويحاولون أن يستغلوا الدعوات ويوجهوها إلى مصالحهم، إلا قليلاً من الأكرمين الفضلاء الذين يقبلون إلى الدعوة بإخلاص وتجرد.
3- البعد عن الهيئات والأحزاب: لما بينها من تناحر وتنافر. ودعوتنا دعوة حب وتآلف.
ونحن نهيب بالكبراء والأعيان، وبالهيئات والأحزاب أن ينضموا إلينا، ويسلكوا سبيلنا، ويتوحدوا تحت لواء القرآن العظيم.
4- التدرج في الخطوات: إن لكل دعوة ثلاث مراحل: التعريف.. والتكوين.. والتنفيذ.
وكثيراً ما تسير هذه المراحل الثلاث جنباً إلى جنب. فقد يدعو الداعي وهو يتخير ويربي، وفي الوقت ذاته يعمل وينفّذ.
بدأنا المرحلة الأولى، مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير بوساطة دروس وحفلات ومطبوعات، وفي جريدة الإخوان المسلمين الأولى ثم في مجلة النذير الإسبوعية.
وخطونا الخطوة الثانية وهي مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود… في صور ثلاث: الكتائب. والفرق. ودرس التعاليم.
فالكتائب مجموعات من الإخوان تلتقي لتقوية الصف بالتعارف وتمازج النفوس والأرواح، ومقاومة العادات والمألوفات، والمران على حسن الصلة بالله…
فالكتائب هي معاهد التربية الروحية للإخوان.
والفرق: للكشافة والجوّالة والألعاب الرياضية.. لتقوية الأجسام، والتعويد على النظام والأخلاق والجندية.
ودرس التعاليم يكون في الكتائب أو الأندية، وغرضه تنمية الأفكار والعقول.
فإذا اطمأننا إلى استكمال هذه المرحلة شرعنا في مرحلة التنفيذ.
مصارحة:
أيها الإخوان المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم: إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده. ولست مخالفاً هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول. أجل قد تكون طريقاً طويلة ولكن ليس هناك غيرها، وإنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب. فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها، أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات، ومن صبر معي حتى تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره في ذلك على الله ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين: إما النصر والسيادة، وإما الشهادة والسعادة.
أيها الإخوان المسلمون:
ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول. وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقيقة في أضواء الخيال الزاهية البراقة، ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلّقة، ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة. ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض، وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد.
أيها الإخوان المسلمون:
إنكم تبتغون وجه الله وتحصيل مثوبته ورضوانه، وذلك مكفول لكم ما دمتم مخلصين، ولم يكلفكم الله نتائج الأعمال ولكن كلفكم صدق التوجه وحسن الاستعداد.
إن ميدان القول غير ميدان الخيال، وميدان العمل غير ميدان القول، وميدان الجهاد غير ميدان العمل، وميدان الجهاد الصائب غير ميدان الجهاد الخاطئ.
يسهل على كثيرين أن يتخيلوا، ولكن ليس كل خيال يدور بالبال يستطاع تصوره أقوالاً باللسان، وإن كثيرين يستطيعون أن يقولوا، ولكن قليلين من هذا الكثير يثبتون عند العمل، وكثير من هذا القليل يستطيعون أن يعملوا، ولكن قليلاً منهم يقدرون على حمل أعباء الجهاد الشاق والعمل العنيف، وهؤلاء المجاهدون، وهم الصفوة القلائل من الأنصار، قد يخطئون الطريق ولا يصيبون الهدف إن لم تتداركهم عناية الله، وفي قصة طالوت بيان لما أقول. فأعدوا أنفسكم وأقبِلوا عليها بالتربية الصحيحة والاختيار الدقيق وامتحنوها بالعمل، العمل القوي البغيض لديها، الشاق عليها، وافطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعاداتها.
وفي الوقت الذي يكون فيه منكم – معشر الإخوان المسلمين – ثلاثمئة كتيبة قد جهزت كل منها نفسها روحياً بالإيمان والعقيدة، وفكرياً بالعلم والثقافة، وجسمياً بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني أن أخوض بكم لجاج البحار وأقتحم بكم عنان السماء وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله، وصدق رسول الله القائل: “ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة”. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
وقد يظن من يسمع هذا أن الإخوان المسلمين قليل عددهم أو ضعيف مجهودهم، ولست إلى هذا أقصد، فالإخوان المسلمون والحمد لله كثيرون. وإن جماعة يمثلها في هذا الاجتماع آلاف من أعضائها كل منهم ينوب عن شعبة كاملة لأكثر من أن يُستقلّ عددُها، ولكن أقصد إلى ما ذكرت أولاً من أن رجل القول غير رجل العمل…
5- إيثار الناحية العملية: فالإسلام حضّ على الإخلاص، والبعد عن الرياء والمفاخرة. وقد تجرعت الأمة المر من جراء الدعايات الكاذبة والتهريج.
قليل من الناس من يعرف أن الداعية منا قد يطوف بضع مدن في عطلة الخميس والجمعة، يلقي الخطب والمحاضرات والدروس. ثم يعود إلى عمله المعتاد يوم السبت، وقد يقضي الأخ شهراً أو شهرين بعيداً عن أهله في أعمال دعوية… وقد تقام المعسكرات الأنموذجية للإخوان لتحقق رياضة الفكر والروح والبدن…
يقوم الإخوان بهذا كله وأكثر منه ثم هم بذلك لا يتشدقون ولا يباهون، ولا يذكرون كل الحقيقة فضلاً عن المبالغة. لكن الجماعة الآن قد دخلت ميادين من العمل تضطرها أن تُعرّف الناس بفكرها وإنتاجها حتى تعمم الخير وتقطع الطريق على من يريد تشويه صورتها.
6- إقبال الشباب على الدعوة: ويكفي أن تنظروا إلى الأزهر والجامعات ومختلف قطاعات المجتمع، كيف انتشرت الدعوة فيها وأصبح كثير من أبنائها من الإخوان.
7- سرعة الانتشار في القرى والمدن: قامت الدعوة في الإسماعيلية، ثم تخطتها إلى مناطق أخرى، حتى وصلت إلى القاهرة، حيث اندمج فيها جمعية الحضارة الإسلامية، ثم تكون مكتب الإرشاد العام ودأب على نشر الدعوة حتى عمت أرجاء مصر من أسوان إلى الاسكندرية، ووصلت إلى السودان وسورية والمغرب.
كنا نوجه الدعوة ونعمل على نشرها، فصارت الآن تسبقنا إلى البلاد فنلاحقها لنؤدي حقوقها.
الصلة التنظيمية:
إن صلة مكتب الإرشاد بفروعه وهيئاته المختلفة ليست صلة الرئيس بالمرؤوس وليست صلة الإدارة البحتة والإشراف العلمي فقط، ولكنها فوق ذلك كله صلة الروح أولاً. وصلة أفراد الأسرة الواحدة وإني فخور بهذه الوحدة الإخوانية، فاحرصوا عليها فإنها سلاحكم وعدتكم.
مصادر أموالنا:
ويتساءل أناس: من أين نأتي بالأموال التي تغطي نفقات أعمالنا؟
فليعلم هؤلاء أن الإخوان لا يبخلون على دعوتهم بقوت أولادهم وعصارة دمائهم… فضلاً عن كمالياتهم، وإن الله يبارك في القليل الذي يستطيعون تقديمه.
وإننا نباهي ونتحدى الناس جميعاً أن يقول أحدهم: إن هذا المكتب قد دخل خزينته قرش واحد من غير جيوب أعضائه… ولسنا نريد إلا هذا، ولن نقبل إلا من عضو أو محب، ولن نعتمد على الحكومات في شيء.
***
من منهاج الإخوان المسلمين
الغاية والوسيلة:
غاية الإخوان المسلمين تكوين جيل من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها.
ووسيلتهم تغيير العرف العام، وتربية أنصار الدعوة على هذه المعاني، حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها، والحرص عليها، والنزول على حكمها.
الإخوان والقوة والثورة:
القوة شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته، يأمر المسلمين بأن يعدوا لعدوهم ما استطاعوا من قوة، ويقرر أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، ويُعلّم المسلم أن يستعيذ من ألوان الضعف جميعاً: “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل…”.
ولكن الإخوان ينظرون بعمق فيعلمون أن أول درجة من درجات القوة؛ قوة العقيدة والإيمان، ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح. ولا يصح لجماعة أن تستخدم السلاح وهي مفككة الأوصال، أو ضعيفة العقيدة.
ثم: هل أوصى الإسلام باستخدام القوة في كل الأحوال، أم حدد لذلك حدوداً، واشترط شروطاً. وهل جعل القوة أول علاج أم أن آخر الدواء الكي؟ وأليس من الواجب أن يوازن الإنسان بين النتائج الضارة والنتائج النافعة أم أنه يستخدم القوة غير عابئ بالنتائج؟… فهذه نظرات يلقيها الإخوان على استخدام القوة قبل أن يقدموا عليه.
أما الثورة فهي أعنف مظاهر القوة، فنظر الإخوان إليها أدق وأعمق.
إن الإخوان سيستخدمون القوة حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وسيكونون شرفاء وصرحاء وسينذرون أولاً، وينتظرون بعد ذلك ثم يقدمون في عزة وكرامة، ويتحملون نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح.
وأما الثورة فلا يفكرون فيها، وإن كانوا يصارحون الحكومة بأن الحال إذا بقيت على هذا المنوال فستقوم ثورة، ليست من صنع الإخوان، ولكن من مقتضيات الظروف.
الإخوان المسلمون والحكم:
الإسلام يجعل الحكومة ركناً من أركانه، ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد. وقديماً قال الخليفة الثالث: “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”. وقد جعل النبي الحكم عروة من عرى الإسلام.
والعلماء يجعلون الحكم من العقائد والأصول لا من الفقهيات والفروع.
والمصلح الإسلامي إن رضي لنفسه أن يكون فقيهاً مرشداً، يقرر الأحكام ويسرد الفروع والأصول، وترك أهل التنفيذ يشرعون للأمة ما لم يأذن به الله، ويحملونها بقوة التنفيذ على مخالفة أوامره. فإن النتيجة الطبيعية أن صوت هذا المصلح سيكون صرخة في واد، ونفخة في رماد.
قد يكون مفهوماً أن يقنع المصلحون الإسلاميون برتبة الوعظ والإرشاد إذا وجدوا من أهل التنفيذ إصغاءً لأوامر الله، وتنفيذاً لأحكامه. أما والحال كما نرى: التشريع الإسلامي في واد، والتشريع الفعلي في واد، فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف.
والإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل هذا العبء والحكم بمنهاج قرآني فهم جنوده وأنصاره، وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم، وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله. وإنه لا بد أن يسبق إقامة الحكم نشر لمبادئ الإسلام، وتعليم للشعب وتوعية.
أما الخلافة فهي رمز الوحدة الإسلامية، والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله، ولهذا قدم الصحابة رضوان الله عليهم النظر في شأنها على النظر في دفن النبي صلى الله عليه وسلم.
والأحاديث الواردة في وجوب نصب الإمام كثيرة. لذلك فالإخوان المسلمون يجعلون فكرة الخلافة والعمل على إعادتها في رأس منهاجهم، وهم – مع ذلك – يعتقدون أن ذلك يحتاج إلى كثير من التمهيدات الضرورية.
أيها الإخوان المسلمون:
لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس وأحلام اليوم حقائق الغد. وما زال في الوقت متسع، وما زالت عناصر السلامة قوية في شعوبكم المؤمنة على الرغم من مظاهر الفساد.
والضعيف لا يظل ضعيفاً كل حياته… وإن العالم ينتظر دعوتكم دعوة الهداية والفوز والسلام… وتلك الأيام نداولها بين الناس، وترجون من الله ما يرجون، فاستعدوا واعملوا ولا تضيعوا فرصة.
لقد خاطبت المتحمسين منكم أن يتريثوا، وإني أخاطب المتقاعسين أن ينهضوا ويعملوا، فليس مع الجهاد راحة: (﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سُبُلنا وإن الله لَمَع المحسنين)﴾.
وإلى الأمام دائماً. والله أكبر ولله الحمد.

محرر الموقع