الإخوان المسلمون في سورية

رمضان أتاكم… فاستبقوا الخيرات

 

يطيب للخطباء والوعاظ أن يتحدثوا في المناسبات الدينية على أنها مواسم للبر والطاعة والإنابة… وهذا من واجبهم. وتكتظ المساجد بالمصلين في الجمعة والعيدين وفي رمضان… فإذا ما انقضت هذه المناسبات، عاد كثير من الناس إلى ما كانوا عليه من تقصير في الطاعات، وانتهاك للحرمات، وانغماس في الشهوات، وغرق في ألوان الترف والفسوق والعصيان.

 

وإذا كنا نميّز بين “المسلم العادي” الذي ينقصه الوعي العميق بدين الله، أو ينقصه الولاء العميق لهذا الدين… وبين “الداعية الإسلامي” الذي يفترض فيه أن يكون على مستوى طيب من الوعي والفهم والعلم والالتزام الأخلاقي والسلوكي والدعوي…

 

إذا كنّا نميّز بين هذين المستويين من المسلمين، فإن على كل مسلم، حيثما وضَع نفسه، أن يغتنم مواسم الخير، لا سيما شهر رمضان، ليكون محطة محاسبة وميثاق وتزوُّدٍ من الخير!. فمنذ رمضان السابق، ورمضان هذا، قد مضت سنة كاملة من عمرك، فهل كان ميزان أعمالك في السنة رابحاً، فاحمد الله واستزد من القربى إليه، أم كان خاسراً فاستدرك ما فات، واعزم على أن تعوّض عما قصّرت فيه.

 

“المسلم العادي” يقوم ببعض “الشعائر” ويتوانى عن بعضها، ويقع في بعض المنكرات، ويدَعَ بعضها… وهو راضٍ عن نفسه لا يُحسُّ بأن المطلوب منه أكبر بكثير مما يقوم به. و”الداعية الإسلامي” لا يخلو من سلبيات، وإن كان يستحيي أن يجاهر بها، وقد يهتم بالعمل العام وينسى العناية بقلبه وروحه، وبأهله وأولاده.

 

ورمضان محطة عظيمة يجدر بالمسلم، أيّاً كان، أن يجعلها نقطة تحوُّل في حياته، وأن يفتح بها صفحة جديدة مع ربه. وقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر”.

 

لقد منّ الله عليك أن كفّر عنك ما ارتكبت من سيئات خلال السنة الماضية، سوى الكبائر، فاستغفر الله وتب إليه من الكبائر والصغائر، واعزم على سلوك طريق الأبرار والمقرّبين لعلك تكون منهم!.

 

ومن فضول القولِ التذكيرُ بأن الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة في نهار رمضان لا يقل أهمية عن الامتناع عن الكذب والغش والنميمة وأكل أموال الناس بالباطل… وأن المسلم العابد القانت المخبت لله… يستحيي من الله في خلواته أكثر مما يستحيي من الناس في جلواته، إن هو فعل فاحشة أو ما دونها!.

 

ولا بأس أن يضع كل مؤمن أمام عينيه، خلال هذا الشهر الكريم، صفحتين: صفحة سيئاته وصفحة حسناته.

 

أما صفحة سيئاته، فليكن صريحاً بينه وبين ربه، وليعترف بما ارتكبه من ظاهر الإثم وباطِنه، من اعتداء على حقوق الله، وحقوق عباد الله، بيده ولسانه وسلوكه كله… ومن رياء وعُجْب وكِبْر وحسد.

 

وليشعر أنه هالك إذا لم يتغمَّدْهُ الله برحمته، وأن ترك المعاصي مقدَّم على فعل الطاعات. ولئن لم تطاوعه نفسه أن يقلع عن المعاصي إقلاعاً كاملاً، فليستعن بالله على ذلك، وليعزم على الإقلاع قدر استطاعته، وإذا علم الله من عبده صدق توكُّله عليه، واستعانته به في ترك ما يسخطه، فإنه سبحانه لن يتخلى عنه، وسيُعينه، إنه هو البَرُّ الرحيم.

 

وفي هذه المناسبة نذكّر من ابتُلي “بالإدمان” على بعض المنهيات، كالتدخين، فإن رمضان فرصة رائعة للتخلص منها والإقلاع عنها.

 

ولا ننسى أن الشياطين في رمضان مصفَّدة، وأن أسباب الغواية فيه أقل منها في أي شهر آخر.

 

وأما صفحة الحسنات فليخُطَّ المسلم فيها خطوطاً جميلة تزيّن الصفحة وتثقل الميزان.

 

ليكتب فيها أنه سيحافظ على صلواته، وسيؤديها جماعة، ولن تفوته صلاة الضحى وصلاة التراويح، وسيكثر من الصدقات، فضلاً عن الزكاة، وسيُقبل على القرآن في شهر القرآن، سيقرؤه وسيثبت محفوظاته السابقة… وسيصل رحِمَه، ويسامح من آذاه، ويزور من جافاه، ويطيّب خاطر من أغضبه، ويتودد إلى إخوانه الذين قصَّر في حقهم أو قصَّروا في حقه.

 

وسيقوم ليلة القدر إيماناً واحتساباً.

 

وسيتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

 

فرسول الله صلى الله عليه وسلم “كان أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل. وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة” متفق عليه.

 

ورسول الله صلى الله عليه وسلم “كان يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، وفي العشر الأواخر منه ما لا يجتهد في غيره” رواه مسلم.

 

ورسول الله صلى الله عليه وسلم سطّر أروع صفحات الفخار في رمضان. ففي أول رمضان بعد الهجرة عقد أول لواء للجهاد في الإسلام، في سرية مقاتلة بقيادة أسد الله وأسد رسوله: حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وفي رمضان من السنة الثانية غزا غزوة بدر الكبرى، التي سمّاها الله عز وجل: يوم الفرقان.

 

وفي رمضان من السنة الثامنة كان له الفتح المبين فتح مكة المكرمة.

 

وأخيراً لا ينسى المؤمنُ التفرغَ إلى الله، والإكثارَ من دعائه في شهر رمضان لنفسه ولأهله وللإسلام والمسلمين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة لا تُردُّ دعوتهم : الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم: يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتُفتَحُ لها أبواب السماء ويقول: بعزتي لأنصرنّك ولو بعد حين” رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه.

 

وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن للصائم عند فطره دعوة لا تُردّ” رواه ابن ماجه.

 

اللهم تقبّل منا الصلاة والصيام والقيام، واجعلنا من عتقائك من النار، واجعلنا من عتقاء شهر رمضان، وأدخلنا الجنة بسلام من باب الريان، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

محمد عادل فارس