الإخوان المسلمون في سورية

“ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين”

 

د. محمد المجالي

 

تمر بنا ذكرى غزوة أحد؛ تلك الغزوة التي هُزم فيها المسلمون ماديا، بسبب بسيط هو مخالفة الرماة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولحكم يريد الله تعالى منها أن يوجّه الفئة المؤمنة نحو الأفضل، فليس كل فشل أو هزيمة أو انتكاسة شرا، فربما يدبر الله من ورائها ما يشد من عزيمة الأمة، وما هو خير لها في قابل أيامها، وهنا ينطبق قول الله تعالى: “وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا”.

 

كانت غزوة أحد بعد عام من غزوة بدر، حيث أول لقاء مع المشركين، حين دُحِرت قريش وهُزمت شر هزيمة، والمسلمون إنما خرجوا للقاء قافلة، ولم يكونوا مستعدين للحرب، وصدق الله تعالى: “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله”، فقُتِل من المشركين سبعون، وأُسِر سبعون.

 

التقى الفريقان من جديد في العام الثالث، حيث غزوة أحد، وقُتل منهم سبعون، وجُرح النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كثيرا من المؤرخين ينظرون إلى الغزوة على أنها نصر معنوي؛ حيث خرجوا في أعقاب المشركين في اليوم التالي، فيما سُمِّي بغزوة حمراء الأسد، وألقي الرعب في أنفسهم وهربوا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن العزيمة القوية التي تفاعل بها المؤمنون مع النصوص القرآنية الكثيرة التي نزلت عقب الغزوة أهّلتهم ليكون النصر حليفهم فيما بعد، فلم يخسر النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه أي غزوة فيما بعد.

 

وأريد أن أقف هنا مع بعض الدروس المستوحاة من غزوة أحد، وللعلم فقد نزلت فيها ستون آية من سورة آل عمران، من الآية المائة وإحدى وعشرين حتى المائة والثمانين، وكأن الآيات تحاكي واقع الأمة اليوم:

 

أولا: الابتلاء سنة الله في خلقه، سواء فرديا أو جماعيا، وهذا الابتلاء إنما هو لاختبار الناس وتخليصهم من الشوائب والسلبيات التي علقت بهم، وجاء في سياق آيات أحد كلمة (التمحيص)، وهو خاص بالمؤمنين، حيث تنقيتهم واستخلاصهم، والعجيب أن كلمة (التمحيص) لم ترد إلا في آيات غزوة أحد، وكأنها تبشرهم ابتداء بأنهم مؤمنون رغم ما حدث من المحالفة التي سببت لهم الهزيمة.

 

ثانيا: حين يبتلي الله عبدا أو أمة فلا يعني هذا أنه يكرهها أو يفضل غيرها عليها، إنما يهيئها الله تعالى أكثر لحمل الأمانة التي في عنقها، شريطة أخذ العبرة والنهوض من جديد.

 

ثالثا: خطورة الذنوب وإن قلت وصغرت، فخطأ واحد هُزم المسلمون بسببه وفيهم أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال الصحابة لأنفسهم: (أنّى هذا)، فصارحهم النص القرآني بأنه من عند أنفسهم، فلا بد من النقد الذاتي ولوم النفس على التقصير، وهذا يدعو إلى المراجعة والمكاشفة مع النفس وتصحيح المسار، ففي شأننا الإسلامي نلوم أنفسنا إن كان هناك أي تقصير، ولا نلوم غيرنا، فالعلة فينا نحن ابتداء، ولننظر في الآية: “أولما أصابتكم مصيبة (في أُحُد) قد أصبتم مثليها (في بدر) قلتم أنّى هذا؟ قل هو من عند أنفسكم”، فالخطأ منا، وبأيدينا، ويُعاقَب الكل بجريرة بعضنا، حتى يستقر في عقولنا ومنهجيتنا أهمية المسؤولية العالمية التي هي في عنق المسلمين.

 

رابعا: الوهن والحزن ينبغي أن يكونا عابرين غير مستقرين في النفوس، فما دمنا مؤمنين فهذا يجعلنا معلقين الأمل بالله تعالى، متوكلين عليه وحده، وهو مصدر عزتنا وقوتنا، ولذلك نهانا الله عن الوهن والحزن، فقال: “ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء، والله لا يحب الظالمين، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين”.

 

فلا يجوز أن يسيطر علينا الضعف، والشعور بأنه مكتوب علينا، فنحن من نملك بقاءه أو زواله إن أخذنا بأسباب العزة، وتوكلنا على الله حق التوكل.

 

خامسا: نفهم من النص السابق سنة مداولة الأيام، وليست المسألة تسلية بقدر ما هي تابعة لحال الأمة، إن أخذت بأسباب العزة أم لا، والمهم هنا، وهو ما نحتاجه في أيامنا هذه أن الحال لن يبقى على ما هو عليه، فدوام الحال من المحال، فنحن اليوم ضعفاء وغيرنا أقوياء، فالعلة أولا وآخرا فينا، وعوامل النهضة موجودة بحاجة إلى ثقة بها، وجرأة على سلوكها، وعزيمة صادقة في تبنيها والانطلاق من خلالها. وقوة غيرنا ليست دائمة كذلك، ويخبرنا التاريخ كم من أمة زالت واندثرت، وأصبحت أثرا بعد عين، فلتكن هذه بشارة لنا أن نسلك أسباب العزة ولا نيأس.

 

سادسا: واهم من ظن أن النصر والعزة يأتيان بالتمني والدعاء من دون بذل الجهد، فالله سبحانه قادر على كل شيء، ولكن اقتضت حكمته أن للنصر أسبابا وسننا، فلا بد من الإعداد بأنواعه، الإيماني والفكري والبدني، ولا بد أن نخطط ونأخذ بالأسباب، فلينهض المسلمون من غفوة لطالما سيطرت عليهم، أنهم خير أمة، والمرحومون وأكثر أهل الجنة، فلا تحجبني هذه المبشرات المستقبلية عن واقعي الآن، فحتى أكون من أهل الجنة ينبغي أن أؤمن وأبذل جهدي وآخذ بالأسباب، فلا نريد المبشرات أن تصبح (مخدّرات) لنا عن النهضة والانطلاق والتبشير بهذا الدين.

 

سابعا: خطر الإشاعة، فقد أشاع المشركون مقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وقعد بعض الصحابة عن القتال، فما قيمة الحياة بعد رسول الله! ولكن مر بهم أنس بن النضر وقال حاثا لهم على القتال، أن قوموا فموتوا على ما مات عليه، فالإشاعة الآن تلعب دورا عظيما في تخذيل المؤمنين وتيئيسهم من النصر والمستقبل الواعد لهذه الأمة.

 

ثامنا: شدة حب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واستبسالهم في الدفاع عنه؛ حيث أرادت قريش قتله، وجُرح صلى الله عليه وسلم، وشُج وجهه، وكسر شيء من أسنانه، وكانت هذه بداية بشارة لهزيمتهم في اللقاءات المقبلة كلها، فما أفلح قوم اعتدوا على نبيهم أبدا.

 

تاسعا: خطر المنافقين، والمنافق هو الذي يظهر الإيمان ويبطن الكفر، ومن يتلون بحسب مصالحه، وقد انهزم ثلث الجيش ابتداء، وكان لسان حالهم اللوم للرسول على الخروج وعدم البقاء في المدينة، هكذا يختلقون الأعذار، وفضح الله حقيقتهم وحججهم، وهم داء الأمة على مر العصور.

 

عاشرا: عظم منزلة الشهداء عند الله تعالى، ففي آيات أحد جاء قوله تعالى: “ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يُرزقون…”، لتبقى هذه الآيات موجهة الأمة ليكونوا مع دينهم وأمتهم، ويدفعوا عنها الأذى أنّى كان، فلا بد من تضحيات، والأمة التي لا تضحي في سبيل مبادئها ستزول وتندحر وتبيد.

 

الغد الأردنية

إخوان سورية

أضف تعليقاً