وقال تعالى: ((فهل عَسَيتُمۡ إِن تَوَلَّيتُمۡ أَن تُفسِدُواْ فِي ٱلأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ .أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعمَىٰٓ أَبصَٰرَهُمۡ))
وفي هذه الآية من الوعيد ما ترون.. ومن أخطر ما فيها جعل قطيعة الرحم قرينة لعملية الفساد والأرض. ثم الإخبار عن المتورطين في جريمة قطع الرحم والإفساد بالأرض بحكمين؛ لعنة الله عليهم، ثم الذهاب بسمعهم وأبصارهم “أولئك- المفسدين في الأرض والقاطعين للأرحام، عنى” الذين لعنهم الله وأصمهم وأعمى أبصارهم.. وأعوذ بالله من شرّها معصية، وأعيذ كل الذين يقرؤون كلامي ويسمعون قولي في وقت هذا السحر من ليالي رمضان..
وللعلماء في قوله تعالى: ((إن توليتم)) بضعة أقوال، أكثرها خصوصية جعل التولي من الولاية، أي أن يكون للإنسان نوع من الخصوصية والمكانة والولاية العامة الكبرى، وما دونها من أنواع الولاية، فيدير ظهره لمن عرف، ويتحول من الحاج بكار إلى الحاج بكري…
والقول الثاني يدير معنى “توليتم” على التخلف والإعراض والإدبار عن الطاعة، وعن فعل المعروف… فليراجع تفسير الآية في تفسير “سورة محمد” والتي من أسمائها سورة القتال “فليس التفسير من غرض هذا المقال”.
وموارد التحذير من قطيعة الرحم، أو التشجيع على وصلها في الكتاب والسنة، كثيرة متوفرة لمن التمسها..
وإنما أردت من مقالي هذا مع التأكيد على مطلب صلة الرحم بشكل عام، والتأكيد على هذه القربة لذي القربى، في هذا الشهر الكريم، وأنها من أعمال البر الواجبة وليس فقط النافلة، أن أشير إلى أمرين..
الأول.. أن صلة الرحم تتعلق بسائر القرابات وأستحيي أن أكتب الوالدين والأخوة والأخوات والأعمام والأخوال والعمات والخالات.. قرابات الدرجة الأولى والثانية والثالثة عنيت، بل أردت التذكير بمن فوق ذلك من القرابات ممن يلي الوالدين، وليس الأم فقط كما يتصور بعض الناس.
وأحب أن أؤكد أن صلة الرحم كصلة ولو بكلمة: كيف حالك يا ابنة عمي ويا ابنة خالتي وكذا يا ابن عمي وابن خالتي، عبر زيارة فإن تعذر فعبر اتصال.. ويفهم من معنى إذا تولى على القول الأول أن هذا الصلة تكون أوجب في حق رجل أصاب يسارا، في الظرف الذي يعيشه السوريون جميعا من الضنك والضيق والعسرة؛ حتى عمت البلوى، وشاع الإقتار. فكيف يصل المرء رحماً لا يعرفه، وفي الأثر اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم. وأحثكم لتفتشوا عن موقع سلمى النجارية في قرابات رسول الله صلى الله عليه وسلم… لتعلموا أنها جدّة جدّه عبد المطلب، وزوجة جده هاشم، واحتفى رسول الله صلى الله عليه، وسلم برحمه تلك، واحتفى به بنو النجار..
يقول القاطعون “قربة مقطوعة” ويقولون يقربونني “من كيس تتن نانتي” هذا حكي حلبي.. ومن قوله وإذا تولى حسب المعنى الأول وهو إصابة المكنة واليسار ثم إدارة الظهر للأرحام، يقترب أكثر وعيد اللعن والذهاب بالأسماع والأبصار.. وفي الأثر، يعقُّ أباه ويصل صديقه!! سمعت مرة ثريّاً يسأل مفتياً على الهواء: هل يجوز للمرء أن يحتسب ما ينفق على والديه من مال الزكاة؛ فأبكى المفتي وأبكاني. وتأملوا حين تحضرُ الأنفسُ الشحَ، وتأملوا الفتحة على الحاء…
كلّ نسبٍ وإن بعد هو من الرحم، وصلته تكون أوجب، بحق صاحب المكانة الأعلى، وتذكروا يا أحبابي “وليس الواصل بالمكافئ” أي تزوروننا نزركم، تسلّمون علينا نسلّم عليكم. في الصلة الثواب للمبادر، وحق الأصول على الفروع أوجب، وحق الواجدين على المقلين أظهر.
أما المعنى الثاني الذي أوردته في عنوان المقال، فانظروا يارعاني الله وإياكم.. كيف تأسست عوائدنا المجتمعية على مطالبنا الشرعية؛ ومما أدركت في رمضانات حلب، الزيارة المعنونة بالزيارة الرمضانية… تفضلوا رمضنونا، ونأتيكم فنرمضنكم. ليس على وجه الشرط بل على وجه الإخبار!! وما يكاد كبير القوم أو الأسرة تخلو مائدة إفطاره يوما من ذي رحم او صديق، على الترتيب الذي ذكرت لكم. وكلٌ بقدره، وإن فات مطلب اللقاء على الطعام، ففي زيارات سمر رمضان بعد التراويح غنى. وقطع الله السهرة على المسلسل كم فوتت على الناس من واجبات.
السمر الرمضاني في زيارة الصلة الرمضانية، من غير غيبة ولا نميمة، والسهرة حتى الطبلة، في إحياء مشاعر المحبة والمودة والانتماء.
وفي الأثر تظل الرحم معلقة عند العرش تقول: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني…
هل تعتقد أن الأمر يستحق…
فخذ هذا الوعد بعد ذاك الوعيد “من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أجله فليصل رحمه” هذا الوعد من الهادي البشير سيدنا رسول الله..
أيها المسلمون.. أيها السوريون.. صلوا أرحامكم وربوا أبناءكم وبناتكم في دار اغترابكم على تفقد الأرحام والقرابات فقد زالت ذريعة الخوف من الغربان والبومان…
هذا رمضان.. فيا داعي الخير أقبل، ويا داعي الشر أدبر


