د. محمد أبو صعيليك
* مجاهدة النفس:
لا بد لمن يسلك طريق الدعوة إلى الله، من مجاهدة نفسه، وحملها على تحمّل أعباء الدعوة إلى الله تعالى، والمضي قدماً في العمل الدعوي بشتى الوسائل ومختلف الطرق، ذلك لأن تلك المجاهدة يمكن أن تشكل المحرك للداعية نحو العمل، وتغذي همته في الدعوة إلى الله تعالى، وتشحذها للمضي قدماً في هذا الباب، ولقد كان الحال مع المجاهدة عند العباد والسائرين أنها تحفز الهمم، وتقوي العزائم، وتوجد النشاط، وتحرك العمل.
ولا بد لنا من تعريف القارئ الكريم بصورة يسيرة عن المجاهدة لتكون منهجاً له في حياته، ومنطلقاً له في تعامله مع نفسه، وهذا ما نذكره ما يلي:
1- عرّف الإمام الغزالي رحمه الله تعالى المجاهدة فقال: وهو أنه إذا حاسب نفسه فرآها قد كانت على معصية، فينبغي أن يعاقبها بالعقوبات التي نصت، إن رآها تتوانى بحكم الكسل في شيء من الفضائل أو ورد من الأوراد، فينبغي أن يلزمها فنوناً من الوظائف جبراً لما فات منها، وتداركاً لما تراه..
ويمكن لنا أن نقول هي: حمل النفس على ممارسة التكاليف الشرعية وإرغامها على ذلك.
2- والأصل في مشروعية المجاهدة قول الله تعالى (الذين جاهدوا فينا لنهديهنم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين).. وإليك بعض عبارات المفسرين في هذا المعنى كما يلي:
أ- قال البيضاوي: فبطلاق المجاهدة ليعم جهاد الأعادي الظاهرة والباطنة بأنواعه..
ب- وقال النسقي: أطلقت المجاهدة ولم يقيدها لمفعول، وليتناول كل ما يجب مجاهدته من النفس والشيطان وأعداء الدين.
ج- وقال الشيخ سعيد حوى رحمه الله سورة العنكبوت مكية، والجهاد المفروض في مكة هو جهاد النفس، وجهاد الكافرين باللسان، ثم فرض الله الجهاد باليد في المدينة، والملاحظ أن كلمة الجهاد والتي وردت مرتين في سورة العنكبوت لم تفيد بنوع من أنواع الجهاد، مما يشير إلى أن كل ما يدخله الله تحت كلمة الجهاد ويدخل في ذلك، ولكن تبقى مجتهدة النفس هي المراد الأول في الآية.
د- ولئن كان هذا مفهوم المجاهدة واصل مشروعيتها، فإن هذا بالضرورة يدفعنا إلى أن نستفيد من المجاهدة في الدعوة، ذلك لأن الدعوة طاعة من الطاعات، وقربة من القربات لا يخالف هذا أحد، لكن النفس تضعف لأمور كثيرة، فتقصر في بذل الوسع في الدعوة إلى الله تعالى، فلا بد للداعية إلى الله من مجاهدة النفس على تكاليف الدعوة ومشاقها، ومجاهدة النفس في تحمل الدعوة رغم المشاق الكبيرة والمعوقات الكثيرة، ومجاهدة النفس في حمل الدعوة وإيصالها إلى أكبر عدد من الناس، ثم مجاهدة النفس في الصبر على ما يلقاه الداعية إلى الله تعالى من البلاء والعذاب والمحن من معارضي الدعوة، فلا تضعف نفسه، ولا تفتر همته، ولا يتزلزل يقينه، ولا يتغير حاله.
لذا فإن الداعية إلى الله تعالى وهو يسير في مسيره الدعوي مع إخوانه، يجاهد نفسه، ونفوس غيره، ويجاهد ضعفه وضعف غيره، ويجاهد عجز نفسه وعجز غيره، وعليه فلا بد له من مجاهدة صادقة في طريق الدعوة لتتم له السلامة عند الله تعالى، وبراءة الذمة عند الله تعالى من القصور، والسلامة من شكوى الآخرين عليه، لأنه ما أرحلهم دعوة الله تعالى، أو لأنه ما أعانهم على حمل دعوة الله تعالى، وما نصرهم على أدواء نفوسهم، ووسوسة الشيطان في صدورهم، فإن الناظر في حال الدعوة على الله تعالى، وحال الدعاة إليه يجد أن الدعوة لا يمكن أن تقوم أو تنتصر إلا يوجد مجاهدات عديدة للنفس والشيطان، والضعف والخوف والجبن وسائر علائق الدنيا ليسلم المرء بدعوته، ولتسلم له نيته وعندما يسلم من التبعة والمسؤولية، ويسلم مسير الدعوة من الخلل، وتصح طريق الدعوة من الأشواك والمعيقات التي لا يعلم بقدرها وأثرها إلا الله تعالى، والله المستعان.