محمد أبو رمان
هل ثمّة جديد في ما نشره تسيفي بارئيل في صحيفة هآرتس، قبل أيام، عن قبول “إسرائيل” ببقاء الأسد في حكم سورية؟ أم هذا هو موقف “إسرائيل” الحقيقي الذي لم يتغيّر منذ البداية؟ أي تفضيل الأسد على المعارضة المسلّحة بصورها المتعددة؟
منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة السورية، كان واضحاً أنّ هنالك موقفاً “إسرائيلياً” متشكّكاً من نتائجها، ومن البديل الذي قد يحلّ محل نظام الأسد، الذي، وفقاً للمسؤولين “الإسرائيليين” حينها، كان ضامناً حدود الجولان، إذ لم يطلق من خلالها طلقة واحدة على مدى عقود طويلة، بينما البديل المتوقع، وهي غالباً قوى إسلامية، ليست مضمونة الجانب للإسرائيليين، أو حتى في حال كانت الفوضى الداخلية فهي أيضاً مقلقة للأمن “الإسرائيلي”.
اليوم، وعلى الرغم من وجود إيران قويةً في الملعب السوري إلى جوار حزب الله، إلاّ أنّ الروس هم الضامن للحدود، ولتنفيذ الشطر الآخر من الاتفاق المتعلّق بإبعاد المليشيات والإيرانيين كيلومترات محددة عن المناطق التي تحتلها “إسرائيل” في الأراضي السورية، وبضمانة النظام وسلوكه تجاه “الإسرائيليين”.
ذلك لم يمنع “إسرائيل”، أو حتى الأميركيين، من توجيه ضرباتٍ إذا اقتضى الأمر، تطاول قيادات إيرانية، أو لحزب الله في عمق الأراضي السورية. وفي الأغلب، بعد إخبار الروس وبتنسيق مسبق، من دون الاهتمام كثيراً بتوعّد زعيم حزب الله حسن نصر الله ووعيده، وهو الذي تلقى الضربات تلو الأخرى، وقبل بمقتل قياداتٍ من حزبه في سورية، كما الحال لحزب الله العراقي، من دون أي رد، طالما أنّ “الغنيمة الكبرى”، أي سورية، أصبحت في أيديهم.
“اليوم التالي للأسد” كانت ذريعة الجميع لبقائه في السلطة، وربما كان الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، أكثر وضوحاً فيها، على الرغم من أنّه توعده مرات، وأعلن ضرورة إخراجه من سورية، إلاّ أنّ الأميركيين لم يعملوا، في أيّ وقت، بصورة جادة وحقيقية، لإزاحته، وإخراجه من المعادلة، لعدم وجود تصوّر واضح لليوم التالي له.
صحيح أنّ الأطراف الدولية والإقليمية دعمت المعارضة المسلّحة، وأعطتها معدات ورواتب، لكن ذلك في سبيل بناء هذه الأطراف أوراقها في اللعبة السورية، وتحصيل مواقع نفوذ، أو حماية مصالحها على أقل الأحوال، لكن أيّاً من هذه القوى لم تخطط جديّاً لإسقاط نظام الأسد، والتخلّص منه.. لماذا؟
بصورة أو بأخرى، كان هنالك “فيتو” أميركي ضد إسقاط الأسد، بالذريعة نفسها، لأنّ شبح ما حدث في العراق بعد سقوط صدام حسين، والتجربة الليبية المريرة، خصوصاً صورة مقتل السفير الأميركي في بنغازي، كانت جميعاً تتحكّم بالعقل الأميركي الباطن، وتؤجج المخاوف من عدم وجود تصوّر مدروس وعميق لمرحلة ما بعد الأسد، بما يضرّ المصالح الأميركية، ما يجعل بقاء الأسد أفضل الشرور وأخفّها، وهذا ما يفسرّ تراجع أوباما عن قرار الضربة العسكرية في عام 2013، وهي الحيثيات التي شرحها الصحافي الأميركي، جيفري غولد بيرغ، في مقالته في مجلة ذا أتلانتيك “عقيدة أوباما”.
كانت الدول العربية والغربية منقسمة على نفسها تجاه الأسد، لكنّ أيّا منها لم تكن بمثابة “العامل الحاسم” في أيّ وقت، فالأميركان كانوا أولاً عاملاً حاسماً بعدم الحسم في مصير الأسد، و”إسرائيل” متغير مؤثر جداً في الموقف الأميركي، ثم جاء الروس والإيرانيون الذين شكّلوا حليفاً استراتيجياً لنظام الأسد ولبقائه، بعدما كان يترنّح ويستعد للانهيار.
في كتاب “رسائل الأسماك” الذي يوثق قصة التدخل العسكري الإيراني في سورية، ومذكرات القائد في الحرس الثوري حسين همداني الذي قتل في سورية، (قدّمت قراءة له فاطمة الصمادي في مجلة سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)، اعتراف صريح بأنّ نظام الأسد كان على وشك السقوط في 2013، وكان الأسد يبحث عن “مأوى” بعد أن ضيّق الخناق عليه، لكن ما لم يذكره الكتاب أو أنكره أنّ الأجندة الدولية والأميركية و”الإسرائيلية” لم تكن مستعدة لهذا السيناريو، فتمّ ترحيله، قبل أن تنقلب المعادلة لاحقاً بدخول الروس وخروج الأميركان فعلياً من المشهد.
من المفترض أن تكون هذه اللعبة الدولية والإقليمية وصعود الداعشية حاضرةً في تحليل ما حدث في سورية، ومن الذي وقف مع الثورة، ومن خذلها، ومن حوّلها إلى حربٍ بالوكالة، وحرب داخلية، وجعل من جزء كبير من الفصائل المسلّحة عصابات حرب، وحوّل النظام السوري إلى نظام تابع وضعيف، وليس صاحب قرار، بينما الروس والأميركيون والإيرانيون والأتراك هم فعلياً من يحدّدون مستقبل هذه الدولة.
العربي الجديد