أسامة محمد الحمصي
السيّدة الجليلة أمّ المؤمنين عائشةُ الصِدّيقة بنتُ الصِدّيق، التيميّة القرشيّة، المُبرأة في صريح القرآن العظيم الكريم، الفقيهة العالمة، الفصيحة البليغة. حبيبة المصطفى صلّى اللهُ عليه وسلّم. كنّاها رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم بأم عبدالله.
وهي أفقه نساء الأمّة وأعلمهنّ، وكان الأكابر من أصحاب النّبيّ صلّى اللهُ عليه وسلّم يرجعون إلى قولها، ويستفتونها.
تزوّج رسولُ الله صلّى اللهُ عليه وسلّم بعد سَوْدَةَ بنت زَمْعَة عائشةَ بنت أبي بكر وهي بِكْر، ولم يتزوج بِكْرًا غيرها، ولم يصب منها ولداً.
والدها أبو بكر الصِّديق رضي اللهُ عنه، وما أدراك ما أبو بكر الصديق، عملاق الإسلام، أوّل مَن آمن مِن الرجال، وصاحب الرسول صلّى اللهُ عليه وسلّم في الهجرة، وخليفته على أمّته، ومُخمِدُ فتنَة الردّة والمرتدين.
قال الله سبحانه: ((إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [التوبة: 40]
وجمهور الأمّة على أنّ المراد بقوله تعالى: ((إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ)) هو سيّدنا أبو بكر الصدّيق، ولم تُذكر في القرآن الكريم صحبة لغيره، رضي اللهُ عنه وأرضاه.
وأمّ عائشة أمّ رومان الكنانية، وهي امرأة صالحة، أسلمت قديمًا، وهاجرت إلى المدينة المنوّرة، وفيها توفيت.
وفي زواج النبيّ صلّى اللهُ عليه وسلّم من عائشة ومصاهرته لهذه الأسرة المباركة تكريم لهم وإعلاء لقدرهم، فقد كان أبو بكر أحبّ الناس إلى قلب رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم، فهو أوّل مَنْ أسلم مِنَ الرجال، وبَذَل كلَّ ما يملك في نصرة رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم ودعوته والمستضعفين.
جاء في المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود:
(وكانت رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا في الجود كالريح المرسلة).
مِنْ فضائل أمّ المؤمنين عَائِشَة أمّ عبدالله:
1 – سلام الروح الأمين على عائشة رضي اللهُ عنها:
عَنْ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلّى اللهُ عليه وسلّم، قَالَ لَهَا: “يَا عَائِشَةُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ”، فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. صحيح البخاريّ.
وفي رواية لمسلم: عَنْ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلّى اللهُ عليه وسلّم قَالَ لَهَا: “إِنَّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ” قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ.
2 – وعَنْ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي عَلِمْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، مَا كُنْتُ أَدْعُو بِهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ: مَا كُنْتُ أَسْأَلُهُ؟ قَالَ: “قُولِي: اللهُمَّ إِنَّكَ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي”. مسند أحمد، تحقيق الأرنؤوط وآخرين.
3 – روتْ عائشةُ رضي اللهُ عنها طائفةً كبرى من سنن النبيّ صلّى اللهُ عليه وسلّم، وقد بلغ ما أسندته ألفين ومائتين وعشرة أحاديث، منها 316 حديثًا في الصحيحين. وقد قيل إنّ رُبْع أحكام الشريعة منقول عنها رضي اللهُ عنها.
4 – عَنْ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها، أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ مَرْضَاةَ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّم. صحيح مسلم.
5 – عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي اللهُ عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّم، يَقُولُ: “فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ” صحيح مسلم.
6 – مسابقة النبيّ صلّى اللهُ عليه وسلّم لها، وملاطفتها:
عَنْ أمّ المؤمنين، عَائِشَة الصِدّيقة بنت الصِدّيق، رضي اللهُ عنها وعن أبيها، قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: “تَقَدَّمُوا”؛ فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي: “تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ”؛ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: “تَقَدَّمُوا”؛ فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: “تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ”؛ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: “هَذِهِ بِتِلْك”. مسند أحمد، تحقيق الأرنؤوط وآخرين.
وفي هذا ملاطفة الزوجة، أيّ ملاطفة، وعطفٌ عليها فاق كلّ عاطفة يستطيعها أحد من البشر.
7 – وكانت وفاة النبيّ صلّى اللهُ عليه وسلّم، على صدر أمّ المؤمنين عَائِشَة؛ الصِدّيقة بنت الصدّيق، رضي اللهُ عنها وعن أبيها، ولو أراد صلّى اللهُ عليه وسلّم غير ذلك؛ لكانت وفاته في غير ذلك من المواقف والمواقع، وقد دُفن صلّى اللهُ عليه و سلّم في حُجرتها هو والصاحبان أبو بكر وعمر رضي اللهُ عنهما.
فعَنْ أمّ المؤمنين، عَائِشَة الصِدّيقة بنت الصدّيق، رضي اللهُ عنها وعن أبيها، كَانَتْ تَقُولُ:
إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي، وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ: دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ، وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَتَنَاوَلْتُهُ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ، فَأَمَرَّهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، يَقُولُ: “لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ” ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: “فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى” حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. رواه البخاريّ.
(سَحْرِي وَنَحْرِي: صدري وعنقي).
وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: قولها: (إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ) أَيْ: خَاصَّةً، (تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي) أَيْ: لَا فِي غَيْبَتِي، (وَفِي يَوْمِي) أَيْ: نَوْبَتِي لِأَكُونَ مُتَشَرِّفَةً بِخِدْمَتِهِ.
وفي صحيح البخاري: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، وَفِي نَوْبَتِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ.
وقولها: (وَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ) أي: في آخر منازل الدنيا وأوّل منازل الآخرة.
8 – عَنْ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّم: ” أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ فَإِذَا أَنْتِ هِيَ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، يُمْضِهِ” صحيح مسلم.
9 – عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي اللهُ عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلّى اللهُ عليه وسلّم بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: “عَائِشَةُ”. قُلْتُ: مِنِ الرِّجَالِ؟ قَالَ: “أَبُوهَا”. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: “عُمَرُ”. فَعَدَّ رِجَالًا، فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرهم. مُتَّفق عَلَيْهِ.
10 – حضرت العديد من الغزوات مع النبيّ صلّى اللهُ عليه وسلّم، مثل غزوة أحد، وغَزْوَة بَنِي المُصْطَلِقِ (وَهِيَ غَزْوَةُ المُرَيْسِيعِ)، وبعد هذه الغزوة كانت حادثة الإفك، تلكم الحادثة التي هزّت المجتمع المسلم بمكوناته جميعًا مدّة ليست قليلة، إلى أن أنزلت سورةُ النور التي تُثْبت براءَة عائشة رضي اللهُ عنها مما أشاعه عنها زعيم النفاق ومَنْ حوله.
11 – روى البخاريّ ومسلم واللفظ له:
عن عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها، قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ، بَدَأَ بِي، فَقَالَ: “إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ”، قَالَتْ: قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: “ِإنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}” [الأحزاب: 29]، قَالَتْ: فَقُلْتُ: فِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟! فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ.
قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ.
وفي رواية لمسلم: قَالَتْ: أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ؟! بَلْ أَخْتَارُ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ، قَالَ: “لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا، إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا”.
قال في طرح التثريب في شرح التقريب:
(قَالَ النَّوَوِيُّ إنَّمَا بَدَأَ بِهَا لِفَضِيلَتِهَا. وقَوْلُهُ “فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي” مَعْنَاهُ مَا يَضُرُّك أَنْ لَا تَعْجَلِي. قَالَ النَّوَوِيُّ وَإِنَّمَا قَالَ لَهَا هَذَا شَفَقَةً عَلَيْهَا، وَعَلَى أَبَوَيْهَا، وَنَصِيحَةً لَهُنَّ فِي بَقَائِهَا عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَحْمِلَهَا صِغَرُ سِنِّهَا، وَقِلَّةُ تَجَارِبِهَا عَلَى اخْتِيَارِ الْفِرَاقِ فَيَجِبَ فِرَاقُهَا فَتَنْضَرَّ هِيَ وَأَبَوَاهَا وَبَاقِي النِّسْوَةِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى قَوْلِهِ لَهَا ذَلِكَ الْكَلَامَ مَحَبَّتُهُ لَهَا، وَكَرَاهَةُ فِرَاقِهَا، وَهُوَ مَنْقَبَةٌ لَهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
وفِيهِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَائِشَةَ ثُمَّ لِسَائِرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ بِاخْتِيَارِهِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَفِيهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْخَيْرِ وَإِيثَارُ أُمُورِ الْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا). بتصرّف.
12 – عَنْ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى” قَالَتْ فَقُلْتُ: وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟! قَالَ: “أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ” قَالَتْ قُلْتُ: أَجَلْ، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ. متفق عليه.
جاء في الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم:
(أما غضبها على رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم مع أنه كبيرة من الكبائر؛ فالمراد منه غيرتها على رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم التي يبعثها الدلال وشدة محبتها لرسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم وهي مغتفرة. وأما قولها ما أهجر إلا اسمك، فالمراد أن حبّك يا رسول الله مستقر بقلبي لا ينفك عنه حتى في حالة الغيرة والغضب، وغاية ما تحملني الغيرة عليه أن أهجر اسمك، ثم إنّها كانت تذكر اسمَ إبراهيم عليه السلام لكونه أقرب إلى رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم لأنه جده الأعلى.
والمعنى هجراني مقصور على اسمك، أي: على تسمية اسمِكَ وذِكْرِه، ولا يتجاوز إلى ذاتك الشريفة، وقلبي وحبّي إلى ذاتك كما كان.
قال القرطبي: تعني بذلك أنّها وإن أعرضتْ عن ذِكْرِ اسمِهِ في حالة غضبها فقلبها مغمورٌ بمحبّته صلّى اللهُ عليه وسلّم لم يتغير منها شيء، وفي هذا ما يدلّ على ما كانا عليه من صفاء المحبّة وحُسْن العِشْرة. وفيه ما يدلّ على أنّ الاسم غير المسمى).
وجاء في اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح:
(إلا اسمك، قال الطِّيْبِي: هو غاية في اللُّطْف؛ لأنَّها أخبَرتْ أنَّها في الغَضَب الذي يَسلُب العاقِلَ اختيارَه لا يُغيِّرُها عن كَمال المَحبَّة المُستغرِق ظاهرَها وباطنَها المُمتَزجة برُوحها).
هذه هي عائشة أمّنا أمّ المؤمنين، الصِدِّيقة بنت الصِدِّيق، رضي اللهُ عنها وعن والديها.
عائشة الصِدِّيقة بنت الصِدِّيق حبيبة رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم وحبيبة المؤمنين وأمّهم، الطاهرة المُطهرة المبرأة في كتاب الله تعالى.
وهي موضع إجلال وإكبار واحترام عند المسلمين أهل السنّة والجماعة.
بينما ينتقدها الكثيرون من أهل الشيعة الرافضة ويتهمونها ويلعنوها.
فهم يطعنون بأمّ المؤمنين عائشة الصِدِّيقة بنت الصِدِّيق وبأبيها.
واليوم نلمس بوضوح جليّ ازدياد حدّة الهجوم على الإسلام العظيم ظنّا من المهاجمين النيل مِنْ علُوّه ومكانته، وذلك من خلال الطعن برموزه وركائزه، بل يتجاوز طعنهم إلى شخص النبيّ صلّى اللهُ عليه وسلّم ومن ثمّ إلى سُنّته، ولن يستطيعوا وخاب فألهم.
بل يقصد المغرضون والطاعنون في أمّ المؤمنين عائشة التشكيكَ في أحكام الدِين، ويهدفون إلى زعزعة الثقة في القرآن الكريم.
وماذا بقي من دِينٍ أو إسلام لمن أنكر براءتها في كتاب الله تعالى وطعن في طهرها وعفّتها.
فغَضَبُ الله على مَنْ لَعَنَها أو طَعَن بها، وعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين.